اللَّهم انْصُرنَا...

د. حامد بن أحمد الرفاعي

من الأدعيَّة الشائعة:اللَّهم انصرنا على القوم الكافرين..مما يوحي أن الكافرين في حالة اعتداء وعدوان وحرب دائمة مع المسلمين أو غيرهم..وأن مواقف الكفار من غيرهم من النَّاس واحدة..وهذا أمر يحتاج إلى تَصّويبٍ وتجليَّة..فأصل العلاقة بين النَّاس في الإسلام تقوم على السلم والمودة والحب..وعلى التعاون والتنافس في عمارة الأرض وإقامة الحيَّاة والمحافظة على سلامة البيئة..أما في حالة العدوان والبغي والظلم والحرب..فالأمر يجري على نحو مختلف تماماً..فقوانين الحرب في الإسلام غير قوانين السلم..مثلما هو معروف في شرائع الأديَّان الأخرى وفي التشريعات البشريَّة بعامة..وعلى أساس من ذلك فإنَّ دُعاءَ:"اللَّهم انصرنا على القوم الكافرين يبقى مقبولاً مع حالة العدوان والاعتداء والحرب..ولا مبرر له على الإطلاق مع حالة السلم..بل يكون انتهاكاً وخروجاً وتمرداً على قيم الإسلام وتشريعاته في أصل التعامل مع الآخر..وفي هذا السياق ينبغي ألا يَخْلِطَ النَّاسُ بين معايير الفلاح في الدنيا ومعايير الفلاح في الآخرة..فالنَّاس كُلُّهم خَلْقُ الله وعِبَادُهُ..وَكُلُّهم مُكلَّفون بعَمارةِ الأرض كما هو واضح في قوله تعالى:"هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"وكلهم سواء في فرص العمل والجزاء كما في قوله تعالى:"مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ"ويقولُ جلَّ شأنه:"مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ"ويُخْبرُنَا تباركت أسماؤه فيقول:"كُلًّا نُّمِدُّ هَٰٓؤُلَآءِ وَهَٰٓؤُلَآءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً"أجل علينا أنْ نَفُكَ شَرْبَكَةَ الأسْلاكِ فلا نخلط الدنيَّوي بالأخروي..ونحن نتعامل مع الآخر وفق قيم الإسلام العظيمة الساميَّة..وذلك لِيتجَّلى لنَا فهم قَول الله تعالى:"أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا نعلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم"فالأرض هي سكن النَّاس جميعاً على اختلاف انتماءاتهم (الدينيَّة والقوميَّة والثقافيَّة والجنسيَّة)وهي ميدان عملهم وفضاء ما كَلَّفهم به رَبُّهم وخالقُهم لِعَمارتها واستثمار مكنونات الكون بعامة..وكلهم سواء في الجزاء ثَواباً وعِقاباً لقوله تعالى:" فَمَنْي يعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"

وسوم: العدد 778