أنماط العلاقات الزوجية (المجتمع المغربي نموذجا)
من المفروض في المجتمع المغربي الذي يدين بدين الإسلام أن يكون له نمط علاقة زوجية واحدة ووحيدة ، وهي تلك العلاقة التي ورد ذكرها في محكم التنزيل في قوله تعالى : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون )) إلا أن واقع الحال يكشف عن وجود أنماط علاقات زوجية متعددة تحكمها اعتبارات مختلفة غير الاعتبارات الواردة في قول الله عز وجل، وهي المودة التي تترتب عنها الرحمة وبهما تكون السكينة .
سنبدأ بنمط العلاقة الزوجية التي أرادها الله عز وجل لعباده المؤمنين ، وهي علاقة صحبة لأن الله عز وجل يسمي الزوجة صاحبة ، والصحبة من معانيها المرافقة ،والقوامة لأنه يقال في اللسان العربي للقائم على الشيء صاحبا .وقد تستعمل في الدعاء، فيقال صحبك الله بمعنى حفظك ،ورافقتك عنايته، الشيء الذي يعني أنها تفيد أيضا الحفظ ،والعانية ،والرعاية ، فضلا عن المعاشرة والمراكبة، والمواكبة ،والصداقة الآمنة ، والوفاء لها ،ومما يقال عن الصحبة التي لا تؤمن " صحبة السفينة " لأن من يصحبها لا يأمن على نفسه من الغرق والهلاك .
والعلاقة الزوجية في الإسلام نموذجية لأنها من وضع خبير عليم بالنفس البشرية التي خلقها سبحانه وتعالى وسواها ، ولا يوجد نمط علاقة تضاهيها أو تسد مسدها . وقد تقاربها بعض الأنماط في واقع الناس ،وعند التأمل والتحري نجدها تمتح من توجيهات الله عز وجل سواء وعت بذلك أم لم تع، لأن من وافق سلوكه السنن الكونية التي وضعها الله عز وجل أصاب الحق والحقيقة مهما كان منطلقه . ويعيش الزوجان في ظل هذه العلاقة حياة تلفها السكينة بحيث يسكن كل منهما إلى الآخر بفعل مودة يكنانها لبعضهما ، وتترتب عنها رحمة ، ويترتب عن ذلك غياب ما يعكر صفو السكينة بحيث لا يتعقب أحد أخطاء الآخر، بل يكون التماس العذر لبعضهما عقب كل زلة ، ويكون لهما نفس النظرة لكل ما يعرض لهما في حياتهما ، فإن وقع شيء من الاختلاف في النظر إلى الأمور سرعان من يتقلص هامشه أو يزول بفعل مودة هي أقوى من كل خلاف أو اختلاف . ولا تجد الزوجيين في إطار العلاقة الزوجية كما حددها الإسلام إلا راضيين كل الرضى على بعضهما ، فيرى كل منهما الآخر في غاية الجمال والوسامة وإن كان أحدهما أو كلاهما ممن تقتحمهم العين أو تزدريهم، ويستعذب كل منهما حديث الآخر وإن كان هراء ، ويعظم ويقدركل منهما الآخر وإن كان جد متواضع لا يأتي من الأعمال والأقوال ما يستحق التعظيم والتقدير، وينكر كل منها ذاته أمام الآخر ، ويؤثره على نفسه وإن كان به خصاصة، ويسعد ويشقى كل منهما بسعادة وشقاء الآخر ... إلى غير ذلك من أشكال التناغم حتى يصير كل واحد منهما أدرى بدواخل نفس الآخر من نفسه ، وهذا ما حذا ببعض البرامج المتلفزة اعتماد أسلوب قياس التناغم بين الزوجين عن طريق عزلهما عن بعضهما ومساءلتهما على انفرادعن أشياء يفترض أن يتفقا عليها كليا ، وأن تكون وجهة نظرهما واحدة.
هذا النموذج نادر جدا خصوصا في زماننا هذا ، وفي مجتمعنا هذا الذي طال عهده بخير القرون التي أشاد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته " . إن نمط العلاقة الزوجية عند خير القرون هو نمط علاقة نموذجية نادرة في زماننا وبيئتنا لأن قرننا أخطأته الخيرية ، وهو قرن تسبق فيه الشهادة اليمين ، واليمين الشاهدة لسوء حظنا إلا ما رحم الله عز وجل.
أما أنماط العلاقات الزوجية السائدة في مجتمعنا ،وهي كثيرة نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر ما يلي :
ـ نمط العلاقة الزوجية القائمة على أساس المصلحة ،ولها أشكال عدة بحيث يضع كل من الزوجين نصب عينيه مصلحة شخصية يرى أن تحقيقها يكون بالدخول في علاقة يسميها زوجية، والأولى بها أن تسمى زواج مصلحة سواء كانت مادية أو معنوية، وغالبا ما يرتبط فيها المادي بالمعنوي من قبيل الطمع في المرتب أو ما يورث من التركة ، أو المشاريع المدرة للربح أو المنصب والجاه أو الحصول على أوراق إقامة في الخارج ...إلى غير ذلك من أنواع الطمع . وهذا النمط محكوم عليه بالفشل، لأنه ينهار بزوال المصلحة وهي زائلة لا محالة وتكون فيه المصاحبة كمصاحبة السفينة، صاحبها هالك لا محالة. ويطبع هذا النمط من العلاقة الزوجية غياب المودة الحقيقية، وغياب الصدق والوفاء، وحضور الغدر والخداع ، والتظاهر بمودة كاذبة زائفة التي يسقط قناعها عند أدنى سوء تفاهم يقع بين الزوجين ولأتفه الأسباب . وقد يكون أحد الطرفين مغررا به فيأتي عليه يوم يكتشف ذلك، فتقع له صدمة قد تفقده صوابه وتوازنه النفسي ، وتجعله يفقد الثقة في الناس أجمعين. وهذا أخس نمط ، وأصحابه أخس الناس ، وهم في مجتمعنا كثر ، ويكثر ضحاياهم خصوصا الأبناء الأبرياء حين تنهار العلاقة الزوجية بالطلاق، وهو عند الله عز وجل أبغض الحلال .
ـ نمط العلاقة الزوجية القائمة على سوء التقدير، وسوء الاختيار بحيث ينخدع أحد الزوجين بمظاهر الآخر المادية أو المعنوية أو هما معا ، والتي قد تكون كاذبة ،زائفة، خادعة سرعان ما ينكشف زيفها بعد الاقتران ، ويشعر أحد الطرفين أو كلاهما بأنه كان ضحية خدعة ، فتصير حياتهما جحيما لا يطاق ، وغالبا ما تنهار بأبغض الحلال، وتخلف أبناء ضحايا ، وتشتت الأسر والعائلات.
ـ نمط العلاقة الزوجية القائمة على الإكراه حيث يقبل أحد الطرفين الاقتران بالآخر وهو كاره، لأن ظروفه أو أهله يكرهونه على ذلك ، وما بني على إكراه لازمه الندم والحسرة والمرارة. . وقد تستمر هذه العلاقة وأحد الطرفين أو كلاهما يتجرع مرارة الإكراه مصرحا به أو مخفيا له، وقد تتوقف إذا بلغ السيل الزبى ، وتخلف أيضا ضحايا ، وقد تكون أحيانا الخيانة من تداعياتها في غياب الوازع الديني لأنها هي البديل عن تجاوز عقدة الإكراه ومرارته .
ـ نمط العلاقة الزوجية القائمة على الاضطرار حيث تتقدم السن بأحد الزوجين أو بكليهما، فيدفعهما الاضطرار إلى الإقدام على الارتباط فيما بينهما تحقيقا لحلم طال انتظاره . ولا يخلو هذا النمط كذلك من مرارة تصاحبه ،ذلك أن أحد الطرفين أوكليهما يظل مرتبطا بأحلام الماضي، ولا يجد في علاقته الزوجية ما يحقق شيئا منها أو يسد مسدها . وهذا النمط قد يستمر مع ملازمة المرارة ، وقد يتوقف، ويخلف مآس.
ـ نمط العلاقة الزوجية القائمة على العبث حيث يغامر أحد الزوجين أو كلاهما بالدخول في علاقة زوجين مستخفين بمسؤوليتها، وغالبا ما يحدث ذلك في أوساط الأغرار أوالسفهاء ، وهذا النمط مصيره الانهيار حتما ومآسيه كثيرة .
ـ نمط العلاقة الزوجية التي لا يبارحها الشنآن المستمر والدائم بين الزوجين حيث يقضيان عمرا طويلا لا يخلو يوم واحد في حياتهما من خلاف، وشجار، وعناد بسبب انحراف في أحدهما أو فيهما معا . وفي هذا النمط يبحث كل طرف عن جهة يبث ويشكو إليها ما يعانيه ،ويكشف لها عن كل عورة في الطرف الآخر، ويصيران معا حديث تندر الناس وسخريتهم ، وينكشف لهما ذلك بعد حين ، فيخلف في نفسيهما آثارا سلبية، ومرارة لا تزول حتى يفترقان بفصال أو ممات ، ولا يخلو هذا النمط من آفة الخيانة أيضا حيث يحاول كل طرف التماس البديل عن الآخر في علاقات السوق السوداء المحرمة ، وقد يقع بعض أصحاب هذا النمط ضحايا الانحراف ،والاستغلال، وسوء العاقبة في العاجل والآجل، فضلا عن مخلّفات ذلك من المآسي التي لا حصر لها، وما يترتب عنها من تداعيات وخيمة العواقب .
ـ نمط العلاقة الزوجية القائمة على أساس اقتران طرفين من جنسيتين مختلفتين ،أومن بيئتين متباعدتين، أو من ثقافتين متباينتين ، وهو ما يعرف بالزواج المختلط ، وهذا النمط غالبا ما يطبعه صراع خطير بين زوجين محكوم على أحدهما أو عليهما معا إما الخضوع للآخرأو التمرد عليه ، وتكون العلاقة بينهما علاقة غالب ومغلوب أو تابع ومتبوع أو علاقة صراع الندين . وفي غياب خضوع أحد الطرفين، ينتهي هذا النمط بالفراق، وما يترتب عنه من تبعات ثقال . ولا يخلو أيضا من آفة الخيانة التماسا للبدائل أو انتقام الطرفين من بعضهما البعض.
هذه بعض أنماط العلاقات الزوجية الفاشلة في مجتمعنا ،وهي نتيجة أسباب وظروف مما يتميز به زماننا أو قرننا، وهو من أسوأ القرون حين يقارن بخيرها، والتي لم يعد الناس في زماننا يكلفون أنفسهم مجرد الاطلاع عليها ،وعلى أحوال أهلها، بل هناك من يجتهد في صرف الناس عن الاطلاع عليها ، ويدفعهم للاقتداء بتقليد النماذج السيئة من أنماط العلاقات الزوجية الفاشلة والمقتبسة من مجتمعات لا علاقة لقيمها بقيمنا ، و يجد في تسويقها والدعاية لها وتقديمها على أساس أنها النماذج المثالية التي يجب أن يقتدى بها، وما هي في الحقيقة إلا نمط من تلك الأنماط التي سردناها والتي يعاني منها مجتمعنا الويلات.
وسوم: العدد 780