تركيا الرحلة الأولى
حلمتُ حلمَ اليقظةِ يوما ما بزيارة تركيا وركوب الطائرة ، فبعد إنجاز عملي في المدرسة سافرت خلال إجازتي السنوية مُطمئنا لزيارة شقيقتي في الأردن وعائلتها والأقرباء مُنطلقاً من مدينة القدس .
في إحدى ليالي صيف عمّان العليل حضر الشابُّ الجميل زوج إحدى بنات شقيقتي وتكلمنا في إمكانية السّـفر إلى تركيا من الأردن فشجعني وهوّنَ الأمر وتشجعت أكثر لوجود بنتين لي مع أزواجهما وأبنائهما كانوا قد سبقونا هناك ببضعة أيام ، وكان زوج ابنة شقيقتي شهما وشغوفا بمساعدة الآخرين ويستمتع بذلك فقلّما يرى الإنسان له مثيلا .
رافقني مع ابنة شقيقتي إلى المطار وودعنا ودعا لنا بالخير .
انتظرنا طائرة الخطوط الجوية الأردنية "جوي جوردان" وكنا نستمتع بمشاهدة الطائرات الهابطة والصاعدة والمتوقفة عن قرب ونلتقطُ بعض الصّور للطائرات ، وكنا نشعر بشيء من الوجل لأننا سنركب الطائرة للمرة الأولى فسبحان من قال "ويخلق مالا تعلمون ..." .
حلّـقت بنا الطائرة بعد أن طافت قليلا بالمطار وكنت أرقب المسافرين فأراهم غير عابئين فدعوت الله لي ولهم باللطف والحفظ ، وشبّهتُ سير الرحلة من الأردن إلى تركيا فوق البحر وجزيرة قبرص حتى هبوطنا في مطار صبيحة كالمرور على السّراط ودخول الجنة بعد خوف ورجاء فأعطانا الله ذلك في الدنيا وأرجو ذلك لي ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم في الآخرة ، وكنت سعيدا بأنني أذكر الله بين السماء والأرض كما على الأرض .
أوصلتنا الحافلة إلى الفندق في منطقة تقسيم من مطار صبيحة والذي سُمّي باسم أول امرأة تعمل في مجال الطيران الحربي "صبيحة كوشكين" وبدا لي اسم المطار مألوفا وذلك لأن صبيحة اسم ٌ لواد في قريتنا ولجدي رحمه الله قطعة أرض فيه ما زلت أراها كل يوم من نافذة غرفتي الشرقية حيث يمنع البناء في الوادي كونه منطقة خضراء .
كانت المرشدة التركية التي تدعى أيتين تتكلم العربية بطلاقة وقد أرتنا سور القسطنطينية القديم وطوله واحد وعشرون كيلومترا والتي بشّر رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بفتحها فلا تستطيع رفع عينيك عنه حتى تُجاوِزُه .
ما كدنا نستريح قليلا حتى حضر أزواج بناتي وعيالهم وسلمنا عليهم بفرح وسرور وانطلقنا نتجول في شارع الإستقلال المزدحم ولا يُسمح للمركبات بالسير فيه حتى وصلنا ساحة الإستقلال والتقطنا بعض الصور فيه واستمعنا لمجموعة من الفنانين السوريين ذوي الشعور الطويلة والناس قد تجمعوا حولهم ليستمعوا ويلتقطوا الصور التذكارية .
حين كنا نذهب للتسوق من أي مكان نجد صعوبة في التفاهم مع التجار الأتراك لكن سرعان ما يحضر شاب عربي من أي دولة عربية وخاصة سوريا فيترجم لنا والسوريون موجودون بكثرة هناك فكانت احدى حسنات الهجرة فمصائب قوم عند قوم فوائد .
كذلك رأينا في المطاعم والأسواق أناسا من مصر وتونس والجزائر وليبيا وفلسطين وغيرهم من عرب وعجم ، ولما تأملت في ذلك أحسست أنّ تركيا كالأم التي حاربها أبناؤها فضعفت ثم استدار الزمان قرناً فعادت لها صحتها رويداً رويداً ومرض أبناؤها فعادوا إليها باستحياء .
لما تعبنا من المشي في الأسواق الفريدة من نوعها وجمالها ومطاعمها النظيفة الراقية ومساجدها الجميلة وعدنا للفندق كنت أطلّ من نافذته على المارّة في الشارع في هدوء الليل الذي يتخلله أصوات طيور البحر وأتعجب من ذلك حيث اعتدتُ على سماع صياح الديكة ليلا في قريتي وزقزقة العصافير صباحاً ، لكن بدا لي غريبا صوت أطيار البحر في عمق الليل وصباحه .
أحسستُ بشيء من العجب لما رأيتُ طيور النورس البيضاء الوديعة حين قرأت عن طيور الكراكر السوداء المعتدية والمتطفلة فقارنتُ ذلك بالخير والشر والشرق والغرب والسّنة والشيعة وغيرهم .
في اليوم التالي ذهبنا في رحلة لمضيق البسفور على سفينة جميلة لمدة ساعتين وشاهدنا القصور العثمانية القديمة والبيوت الهادئة والجسور المعلقة والمساجد الرائعة الراقية التي تفوح منها رائحة العزة والكرامة والحضارة ، والجسر الذي يربط استنبول الأوروبية بالآسيوية .
زرنا معرض الجلود وحين دخولنا رأينا عرضا للأزياء لكن الأسعار باهظة ، وبعد خروجنا منه بدا لي الإسمُ على عكس ما توقعت .
ثم توجهنا لشراء الحلويات وخاصة الحلقوم التركي الشهير ذو الأشكال والألوان والأطعمة المختلفة وغيره من عسل وحلويات أخرى فتركيا الأولى عالميا في صناعة الحلوى .
وفي يوم آخر زرنا المسجد الأزرق (مسجد السلطان احمد) وصلينا المغرب فيه ولما خرجنا منه رأينا مُقابِلهُ متحف آيا صوفيا والذي حوله محمد الفاتح إلى مسجد .
كانت رحلتنا قصيرة وخاطفة يوم الإثنين الثاني من تموز 2018 وعدنا في السادس من تموز يوم الجمعة ، لكن من يريد السفر إلى تركيا يجب ألا تكون رحلته أقل من أسبوعين .
وأخيراً وليس آخراً من يزورها يقول : بلدةُ طيبةُ وشعبُ طيب ؛ زرتها في شّوال وودتُ لو كانت زيارتي في رجب الطيّب .
فالحمد لله الذي يسّر لي السفر دونما تخطيط الى تركيا واعتبرت ذلك منّاً من الله ، وكما قيل "من يُحسن بالله الظنّ فمحال ألا يحسن منه المنّ " ليس في دار الدنيا بل في الدارين .
وسوم: العدد 781