الحركة الإسلامية : بين قوس الكُسَعي ، وغفلته ، وندامته !
يُروى أن الكسعي – وهو محاربُ بن قيس ، من قبيلة كُسَعة - كان له إبل يرعاها ، في واد ، فيه شجر، وبينما هو سائر، لفتت نظره شجرة ، راقت له ، وقال في نفسه: لأصنعنّ ، لنفسي ، قوساً، من تلك الشجرة . وظلّ يتعهّدها ، ويرصدها ، في كلّ يوم ، حتى استوت ، فقطعها ، وبعد ذلك جفّفها ، وصنع منها قوساّ شديدة، ثمّ دهنها ، وألحق بها وترًا، وصنع خمسة سهام ، وضعها في جعبته !
وأراد الكسَعي ، أن يجرّب قوسه الجديدة ، فخرج إلى مكان ، تسعى به الحُمرُ الوحشية ، وسدّد قوسه ، ورمى سهمه ، فأصاب حماراً وحشياً ، ومن قوّته امتدّ إلى الجبل ، وقدح فيه شرراً ! فلمّا رآه ، ظنّ أنه لم يُصب بغيته ، فرمى السهم الثاني ، ثم الثالث والرابع والخامس..وفي كلّ مرّة يرى الشرر، في سفح الجبل، فيظنّ أنه يخطيء الهدف !
ومن فرط ضيقه ، جاء بالقوس إلى صخرةٍ ، فضربها ، حتى كسَرَها ، ثمّ نام إلى جانبها! حتى استيقظ في الصباح ، فمشى ، إلى حيث كانت سهامه ، فإذا الحمُر الخمسة مسجّاة على الأرض ، غارقة في دمائها ! وكلّ منها قد اخترقه سهم ، ونفذ من جسمه ! فندم على كسره قوسه ، أشدّ الندم ، إلى درجة أنه عَضَّ إصبعه ، فقطعها ، ثمّ أنشأ يقول:
لقد صارت ندامة الكسعي ، مضرب أمثال ؛ فيقال : أندمُ مِن الكُسعي !
فبمَ يختلف ، مايفعله بعض أبناء الحركة الإسلامية ، اليوم ، عن فعل الكسعي ، قبل كسر قوسه ، وبمَ سيختلف، عنه ،غداً- كما هو متوقّع- بعد كسر قوسه ، التي عزا إليها ، إخفاقه المتوهّم ، في إصابة أهدافه.. ثمّ قطعِ إصعه ، ندماً ، على كسر القوس !؟
تسعون عاماً ، هو عمر الحركة الإسلامية ، اليوم ، وهي امتداد ، لعقود سبقتها ، من جهود الدعاة والمصلحين : من جهود محمد عبده ، ورشيد رضا ، وغيرهما !
تسعون عاماً ، انتشرت فيها ، الحركة الإسلامية ، في العالم ، انتشاراً ، لم تحقق مثله حركة ، في العصر الحديث ! وصار لها أتباع ، بالملايين ، في العالم ، كلّه ، في قارّاته ، كلّها : صار لها فروع ، في سائر القارّات ، وأنشأت كوادر مميّزة ، وطاقات مبدعة ، في سائر المجالات : العلمية والفكرية ، والثقافية والاجتماعية ، في أكثر مدن العالم ، ودوله .. وصارت أملاً ، لمئات الملايين ، من البشر، في العالم الإسلامي ، وفي غيره !
وقد أثارت اهتمام العالم ودهشته، من ناحية، وأثارت الرعب، في صدور شياطين البشر، من ناحية ثانية.. حتى تألّب عليها الشياطين ، فطفقوا يحاربونها ، حرباً شعواء ! وهي الحرب التي يعرفونها ، منذ بداية انطلاقهم ، في بلادهم ، والتي حدّثهم عنها مؤسّس حركتهم ، الذي قضى شهيداً ، في هذه الحرب !
ويأتي ، اليوم ، بعض أبناء هذه الحركة ، ليقدّموا نظريات عجيبة ، في: تحديثها، أوتمدينها، أو تطويرها، أوتغييرها ، أو تبديلها ، أو تبديل أشياء منها ، وفيها ؛ لتتلاءم مع روح العصر، ومع عصرية العصر، وتتقي محاربة الشياطين ، الذين يرصدون كلّ تغيّر فيها ، بدءاً بالاسم ، وانتهاءً بالعقيدة ، مروراً بالمنهج ، وبسائر تفصيلاته !
لقد غيّر بعض أبناء الحركة ، في بعض الدول ، بعضَ الأشياء ، في الحركة ، ابتداء من الاسم ، ومرورا ببعض الأوصاف .. حتى صار ينطبق عليها ، أحد الأمثال ، بصورةعكسية ، وهو المثل الوارد ، في بعض كتب تاريخ الأدب : لو خرجتَ من جلدك ماعرفتك ! أمّا عكسُه ، فهو : لوبدّلتم جلودكم ، كلّ يوم ، لما أخطأناكم ، أو جهلناكم ، أو تغاضينا : عنكم ، وعن نشاطكم ، وعن أهدافكم !
وإذا كانت مصطلحات : التطوير، والتحديث ، والتعديل ، والتحسين .. كلّها ، مطلوبة ، ومتفقاً عليها ، فإن دلالاتها مختلفة : بين عقل وعقل ، وبين بيئة وبيئة ، وبين جيل وآخر.. وتتراوح : بين التطوير الحسن ، في الإطار العامً ، وبين التدمير التامّ ، بصورة فنية ، عبر جمل مزركشة ، نابعة من نظريات ، أقلّ مافيها، أنها تحقق للشياطين، أهمّ مايطمحون إليه، وبأيدي أبناء الحركة، أنفسهم ! مع أن الكثير، ممّا يراه أبناء الحركة ، من خلل ، في واقع حركتهم ، إنما هوناجم ، عن: تقصير بعضهم ، أو أخطاء بعضهم ، أو عجز بعضهم ، أو سوء فهم وعلم ، لدى بعضهم ، في أنواع العمل الإداري ، أو السياسي .. أو في فهم حركة السياسة العالمية ، أو الإقليمية..!
والسؤال هو: ألا يفكّر أبناء الحركة ، هؤلاء ، بقوس الكسعي ، التي كسرها ، نزقاً وغباء ، بحجّة أنها ، لم تصب الأهداف ، التي رماها !؟
وإذا كان الكسعي ، قد رمى سهامه ، في الظلام ، فتوهّم عدم إصابتها الأهداف ؛ فهل يرمي بعض منظري الحركة الجدد، اليوم ، أهدافهم ، في النور، أم في ظلام دامس، هو: ظلام العقول، أوظلام التضليل الإعلامي ، أوظلام الخوف من المجهول، أو ظلام السجون الظالمة، التي زُجّ بالألوف، من أبناء الحركة، في أعماقها..أو ظلام التخبّط الفكري ، في التيه ، وهم يبحثون ، في سماوات خيالاتهم،عن نموذج ناجح ، يقلّدونه ، ولو كان : في بيئة غير بيئتهم ، ونسق اجتماعي وسياسي، غير نسقهم..وبقدرات غير قدراتهم!؟
وإذا كان الكسعي ، قد قطع إصبعه ، ندماً ، على قوسه ، أفلا يخاف المخلصون ، من أصحاب النظريات الحديثة ، أن يقطعوا أيديهم وأرجلهم ، ونياط قلوبهم ..حرقة وندماً وحسرة ،على حركتهم ، حين يحققون، لشياطين الإنس ، ماتريد ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً !؟
وسوم: العدد 782