تذكّروا عظماءكم.. وتذكّروا أنذالكم

في مثل هذه الأيام، وفي الرابع والعشرين من تموز 1920م استشهد، في موقعة ميسلون، وزير الدفاع في سورية يوسف العظمة.

وأول ما يلفت الانتباه تلك المفارقة بين وزير دفاع يقود المعركة بنفسه، ويكتب الله له بها الشهادة، ووزير دفاع يبيع الجولان ويعلن عن سقوط القنيطرة قبل نحو 24 ساعة من وصول الجيش الإسرائيلي إليها.

وزير الدفاع العظيم يوسف بن إبراهيم العظمة وُلِدَ في حي الشاغور بدمشق في 9 من نيسان 1884م، وتلقّى علومه العسكرية في استانبول. يقول عنه المؤرخ محمود شاكر، في كتابه "التاريخ الإسلامي" ص45: "كان يتكلم العربية والتركية والفرنسية والألمانية. وكان متديناً متمسكاً بإسلامه، مؤدياً لصلاته...".

وفي سنة 1920م أرسل الجنرال الفرنسي هنري غواييه غورو إلى فيصل ملك سورية إنذاراً، عُرف بإنذار غورو، وفيه عدد من البنود، أحدها حَلُّ الجيش السوري.

ورأى بعض وزراء فيصل الخضوع للإنذار، لكن وزير الدفاع يوسف العظمة رفض ذلك، وتمثَّل ببيت المتنبي:

لا يسْلَم الشرف الرفيع من الأذى       حتى يُرَاقَ على جوانبه الدمُ

وأبى إلا المقاومة في معركة غير متكافئة، كان عدد القوات الفرنسية الغازية تسعة آلاف تدعمها الطائرات والدبابات، وعدد المجاهدين مع يوسف العظمة ثلاثة آلاف. وحدثت المواجهة في ميسلون التي تبعد 28كم شمال غرب دمشق.

واستشهد يوسف العظمة وأربعمئة من جنوده في 24 من تموز 1920م.

وحلّ غورو الجيش السوري، وأنشأ ما سمّاه: "جيش المشرق" الذي اعتمد فيه على الأقليات الدينية والطائفية والعرقية، وهذا الجيش كان نواة للجيش السوري الممتد حتى اليوم، تتغير بعض ملامحه بين مرحلة وأخرى. وقد ازداد فيه اللون الطائفي تدريجياً بدءاً من انقلاب الثامن من آذار 1963م، ثم صار هذا اللون فاقعاً، لا سيما بعد انقلاب حافظ أسد في 16 من تشرين الثاني 1970م، وكان من ثمراته المرّة تدمير سورية، وزرع الأحقاد بين أبنائها، وقتل مئات الآلاف منهم، وتهجير الملايين.

لكن هذا الجيش ما يزال يلتزم الصمت (ويحتفظ بحق الردّ) كلما قصف الطيران الإسرائيلي مواقع في سورية أيام حافظ أسد ثم أيام بشار، ويوجّه صواريخه وبراميله المتفجّرة وسلاحه الكيماوي... على سورية البشر والشجر والحجر.

رحم اللهُ يوسف العظمة و (...) الأنذالَ والخونةَ المجرمين.

وسوم: العدد 783