المأثور من الأقوال الشعبية في منازل فصول السنة الشمسية
غالبا ما لا يبدي الناس كبير اهتمام بالظروف المناخية إلا إذا سجلت درجات الحرارة أو البرودة أرقاما غير معتادة . ولقد كثرحديث الناس في الآونة الأخيرة عن حرارة هذا الصيف في بلادنا ،وفي غيرها من البلاد الأوروبية التي لم تعرف مثلها حسب تقارير النشرات الجوية، وهي التي تستأثر بالاهتمام صيفا وشتاء حين يترقب الناس سقوط الأمطار أوحين يحذرون الحرارة المفرطة .
وبالرغم من تتبع جمهور عريض عندنا النشرات الجوية يوميا ، فإن اهتمامهم بفصول السنة لا يرقى إلى اهتمام الناس في الماضي، بل لا يكاد الناس اليوم يعرفون منازل الفصول الأربعة وعددها 28 منزلة عند المهتمين بالفلاحة . ولقد كان أهل البوادي والحواضر في الماضي على حد سواء يعرفون جيدا تلك المنازل ويهتمون بها ، ويذكرونها في أقوال مسجوعة باللهجة العامية تجري عندهم مجرى الأمثال وهي إما تحذيرات أو نصائح حسب ما يطرأ على المناخ من تقلبات عبر فصول السنة الشمسية .
والمنازل مفرد منزل أو منزلة لها عدة معان منها مكان النزول ، ومنها المكانة والمرتبة ، كما أنها تطلق على مدارات القمر ، وقد ورد في الذكر الحكيم قوله تعالى : (( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم )). ومعنى منازل الفصول وهي المراحل التي تمر قريب من معنى منازل القمر أوهي منازل النجوم أو الأبراج .
ولم يعد غالبية الناس اليوم يعرفون هذه المنازل أو يهتمون بها ، ولا يعرفون شيئا عن أوان حلولها خصوصا أهل الحواضر في حين لا زال بعضهم خصوصا في البوادي ممن يمتهنون الفلاحة يهتمون بها وقد ورثوا ذلك عن أسلافهم .
ولقد كان أئمة المساجد والمؤذنون في الماضي وقبل شيوع و انتشار الساعة يهتمون أيضا بمنازل الفصول لضبط أوقات الصلاة .
ولا يكاد الناس في زماننا هذا يذكرون من منازل الفصول سوى كلمة ليالي، وهي أربعون ليلة من ليالي فصل الشتاء ،وتبدأ في الخامس والعشرين من شهر دجنبر أو كلمة سمائم وهي من السموم وفترتها أربعون يوما من أيام فصل الصيف ، وتبدأ في الخامس والعشرين من شهر يوليوز ، بينما كان الناس في الماضي يتحدثون بتفصيل عن منازل كل فصل .
وما يعنينا في هذا المقال هو بعض الأقوال المأثورة في منازل فصول السنة الشمسية والتي كانت تجري مجرى الأمثال وفيها حكم ونصائح وتحذيرات ، وقبل استعراض بعضها نذكر بأن منازل الفصول هي كالتالي :
ـ منازل فصل الصيف وهي : الهقعة ـ الهنعة ـ الذراع ـ النثرة ـ الطرفة ـ الجبهة ـ الخرثان .
ـ منازل فصل الخريف وهي : الصرفة ـ العواء ـ السماك ـ الغفار ـ الزبنان ـ الإكليل ـ القلب .
ـ منازل فصل الشتاء وهي : الشولة ـ النعايم ـ البلدة ـ سعد الذابح ـ سعد بلع ـ سعد السعود ـ سعد الأخبية .
ـ منازل فصل الربيع وهي : فرع المقدم ـ فرع المؤخر ـ بطن الحوت ـ النطح ـ البطين ـ الثريا ـ الدبران .
أما ما قيل عن بعض هذه المنازل فكالتالي :
ـ فعن منزلة الشولة وتمتد من 26 نوفمبر إلى 8 دجنبر قالوا : " لي بغا قمح العولة يحرثو في الشولة " أي من أراد المحصول الجيد فليحرث أرضه في هذه المنزلة ،لأن القمح الذي يزرع فيها يكون من النوع الجيد ويكون محصوله كثيرا.
ـ وعن منزلة النعايم الممتدة من 9 دجنبر إلى 21 منه قالوا : " لي بغا يشري الزرع للبهايم يشريه في منزلة النعايم " ، أي من أراد اقتناء العلف لمواشيه فليفعل في هذه المنزلة ، لأن الفلاحين يتخلصون فيها من فائض الشعير الذي يكون عندهم ، ويطرحونه في الأسواق .
ـ وعن منزلة البلدة الممتدة من 22 دجنبر إلى 3 يناير قالوا : " في البلدة تضرب السمرة حتى للكبدة ، وترد الشابة جلدة ، والعجوز قردة ".أي يشتد البرد القارس فيؤثر على صحة ونضارة الشابة ، وتزداد العجوز انحناء ، وفي قولهم هذا بعض التفكه .
ـ وعن منزلة سعد الذابح الممتدة من 4 يناير إلى 16 منه قالوا : " سعد الذابح لا وجوه تتشابه ، ولا كلاب تتنابح ، ولا عطار رابح " أي يلزم الناس بيوتهم من شدة القر كما قالوا : " سعد الذابح يقتل النعجة ويخلي أولادها تتضابح " أي تموت فيها النعاج وتضج الخراف بحثا عنها .
ـ وعن منزلة سعد البلع الممتدة من 17 يناير إلى 29 منه قالوا : " في البلع وكله ما يشبع وسخره ما ينفع " أي يأكل الناس كثيرا بسبب شدة البرد ، ويكسلون، كما قالوا أيضا : " في البلع يجمد الما في روس لقورع " أي يؤثر البرد في رؤوس من بهم صلع أو لا شعر لهم .
ـ وعن منزلة سعد السعود الممتدة من 30 يناير إلى 11 فبراير قالوا : " سعد السعود يخرج فيه النمس والقنفود ،وتزنزن النحلة في العود ولا تموت بالبرود".أي تخرج الهوام من جحورها والنحل من خليته بعد غياب طيلة الشتاء ،وبسبب بداية الدفء.
ـ وعن منزلة سعد الأخبية الممتدة من 12 فبراير إلى 24 منه قالوا : " في ، لخبية تخرج كل من هي مخبية، وتفرخ كل من مربية ، ويسخن الما في لونية ".إشارة إلى الدفء أيضا وتحسن الأحوال الجوية .
ـ وعن منزلة الفرع المقدم الممتدة من 25 فبراير إلى 9 مارس قالوا : " إذا طلع الفرع المقدم اخدم ولا تندم " أي يجب الجد في العمل الزراعي الواجب حتى لا تضيع فرصته وإلا ندم من لا يعمل .
ـ وعن منزلة الفرغ المؤخر الممتدة من 10 مارس إلى 22 منه لم يؤثر عنهم قول والله أعلم .
ـ وعن منزلة بطن الحوت الممتدة من 23 مارس إلى 4 أبريل قالوا : " بطن الحوت الماء ولا نموت ، والذرة ولا نفوت " ،أي لا بد من نزول المطر في هذه المنزلة لأن المطر النازل فيها مهم جدا وإلا ضاعت المحاصيل .
ـ وعن منزلة النطح الممتدة من 5 أبريل إلى 17 منه قالوا : " إلى روات في النطح غي تحزم يا الفلاح تشطح " .أي إذا أمطرت في هذه المنزلة كانت المحاصيل جيدة وما على الفلاح إلا الرقص طربا .
ـ وعن منزلة البطين الممتدة من 18 أبريل إلى 30 منه قالوا : " في البطين الزرع يبطن ولا يبطل " .أي إما أن تنجو المحاصيل فتأكل أو تضيع بسبب بداية القيظ .
ـ وعن منزلة الثريا الممتدة من 1 مايو إلى 12 منه قالوا : " في الثريا تصيب الماط على كل ثنية ولا تصيب النوادر مبنية ، ولا كل فدان نديو منو كلية ".أي يبدأ موسم الحصاد فترى حزم القمح أو الشعير في الحقول وأكوامها قرب البيادر، وتكون المحاصيل جيدة .
ـ وعن منزلة الدبران الممتدة من 13 مايو إلى 25 منه قالوا : " في الدبران يطيب الزرع وخا يكون في الغثران " .أي يستحصد الزرع حيثما كان.
ـ وعن منزلة الهقعة والممتدة من 27 مايو إلى 7 يونيو قالوا :" في الهقعة يموت مول الفدان بالخلعة " .أي تشتد الحرارة وتصعب عملية الحصاد لأن السنابل تنكسر .
ـ وعن منزلة الهنعة الممتدة من 8 يونيو إلى 20 منه قالوا : " في الهنعة الجبن بالمغارف ، والميص للشارف ، والكرموس للهارف " . أي تدر في هذه المنزلة ذوات الألبان ، وفي هذه العبارة تفكه لأن قولهم الميص وهو الماء الذي يكون في الجبن جعلوه للشيخ بينما يصيب الشباب الجبن بالملاعق ، وجعلوا التين للذي يخلط في كلامه أو يهدي ، وربما أشاروا إلى السكر الذي يتخذ من التين فيذهب بعقول بعضهم إشارة إلى أنهم يجنون الثمار ويعصرون ، وتكثر ألبانهم دلالة على جودة الموسم الفلاحي .
هذا بعض ما قاله القدماء عن منازل تتعلق خصيصا بالدورة الزراعية من الحرث إلى الدرس ، وهي عبارة عن نصح وتحذير ، ولا تخلو من فكاهة ، وهي في شكل فواصل سجعية باللهجة المغربية العامية ، وهي تدل على الاهتمام الكبيرالذي كان في الماضي بمنازل الفصول وما يعتري الطبيعة فيها من أحوال قرا وحرا ، وقد ضاع كل ذلك مع شديد الأسف اليوم وهي خسارة قد لحقت بالموروث الشعبي بسبب انصراف الناس عنه وإهماله ، وهو في الحقيقة إهمال لهويتنا وثقافتنا في الوقت الذي تجتهد الأمم والشعوب في صيانة موروثها الثقافي صيانة لهويتها .
وسوم: العدد 784