شتان بين المصباح التركي والمصباح المغربي
هذا مقال سأتناول فيه بالنقد تجربة حزب العدالة والتنمية المغربي مقارنة بحزب العدالة والتنمية التركي ، وأود في البداية التعبير عن بعد ما أصدرعنه من رأي فيه عن الشماتة كما هو الحال بالنسبة لخصوم هذا الحزب السياسيين الذي يستهدفونه ، وأصرح والله أعلم بما تخفي الصدور أنني أشعر بالمرارة وأنا أتابع ما يكتب وينشرعن تجربة هذا الحزب الذي دخل التجربة السياسية رافعا شعار الإسلام توجها له أو مرجعية ، وهي مغامرة محفوفة بأخطر المخاطر لأن فشل تجربته سيحمل الخصوم والسفهاء وزرها لهذا الدين العظيم المنزه عما يلصق به من أخطاء من ينتسبون إليه عن قصد أو عن غير قصد.
ولما اختار أتباع أو مناضلو هذا الحزب نفس اسم الحزب المحسوب على الإسلام في تركيا العلمانية ، ونفس الرمز وهو المصباح ،أقدموا في الحقيقة على مغامرة لأنهم اتخذوا الحزب التركي إسوة ولما يتيقنوا من قدرتهم على مجاراته في التسيير والتدبير والصمود في وجه التيارات المعادية العاتية .
ومعلوم أنه على رأس تلك التيارات التيار الغربي بزعامة الولايات المتحدة والذي أعلنها حربا لا هوادة فيها على ما سماه الإسلام السياسي انتصارا لعلمانيته وقد بذل قصارى جهوده لتشويه دين الإسلام من خلال صنع و توظيف عصابات إجرامية تمارس الإجرام والقتل باسمه لإقناع الرأي العام الغربي خصوصا ، والعالمي عموما بأن هذا الدين هو المنظر للإجرام والعنف والإرهاب ، وأن الأحزاب ذات التوجه الإسلامي لا تختلف في شيء عن تلك العصابات الإجرامية لأنها تنهل من نفس المنهل .
ولقد كان من السهل اختيار اسم حزب تركي وشعاره، لكن دون التشبع بقناعاته، ودون إعداد مشروع سياسي مضبوط على غرار مشروعه ، ودون إعداد الكوادر ذات الكفاءة العالية . ومع أنه لا يمكن التشكيك في أن نوايا أصحاب حزب المصباح المغربي لسبب بسيط هو أنه من المنطلق الإسلامي توكل النوايا لله تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ولأن شعار الإسلام هو من خدعنا بالله انخدعنا له ، ومن شوهد مرتادا للمساجد شهد له بالإيمان ، ومعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل لقاء ربه أوكل بأمين سر الأمة الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه لائحة سرية بأسماء المنافقين ، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يستحلفونه بالله إن كانت أسماؤهم ورادة فيها ، نقول هذا خلافا لخصومهم الذي صاروا يتحدثون حديث الواثقين بأنه نواياهم كانت مبيتة وسيئة ساعة تأسيس هذا الحزب ، وأنهم كانوا مغرضين، ولا يختلفون عن أصحاب الأحزاب ذات التوجهات البعيدة عن التوجه الإسلامي .
ولا نشك في أن هذا الحزب ككل حزب اعتمد المرجعية الإسلامية شمله سخط الغرب بزعامة الولايات المتحدة ، وحلفائها في الوطن العربي خصوصا أولئك الذين بذلوا الأموال الطائلة لتمويل الإجهاز عليها بشكل أو بآخر في إطار ما سمي بمحاربة الإسلام السياسي ، ولكننا لا نعذر أصحابه في كونهم جعلوا ظن خصومهم ، وخصوم الأحزاب التي يلتقي معها حزبهم في المرجعية سواء في الغرب أو في الوطن العربي يصدق عليهم، بل قدموا لهم خدمة كبرى من خلال الزلات والعثرات التي استغلت من جهة للتشكيك في نواياهم ، ومن جهة أخرى للقول بأنهم أبعد ما يكونون عن إتقان اللعبة السياسية كما اتقنها الأتراك في حزب المصباح التركي .
وشتان بين المصباح التركي والمصباح المغربي ، فالأول مشع ، والثاني يلفه الغبش ولا يكاد يضيء ، فمن خلال مقارنة بسيطة يبدو الفرق فوق الشاسع بين زعامة الحزبين ،ذلك أن الزعامة التركية كاريزمية بما للكلمة من معنى بينما يسود الاعتقاد لدى الرأي العام المغربي أن زعامة حزب المصباح المغربي هي إما متهورة إلى أبعد حد أو باهتة إلى أقصى حد . وبينما تبدو الزعامة التركية رصينة ثقيلة تبدو الزعامة المغربية مندفعة وأخف من ريشة في ذيل ديك كل ريح تعبث بها كما يقال عندنا .
ولنشر إلى موقف زعيم حزب المصباح التركي الذي واجه محاولة الانقلاب العسكري بإرادة قوية وإصرار في حين استسلم حزب المصباح المغربي لضغوط ما سماه زعيمه العفاريت والتماسيح ، وشتان بين موقف زعيم حزب المصباح التركي من خصومه ، وموقف " زعيم " حزب المصباح المغربي . لقد كان من المفروض أن تكون مواجهة هذا الأخير مع من سماهم تماسيح وعفاريت حاسمة وصارمة منذ أول وهلة ، وأن يموت قطهم أو سنورهم في اليوم الأول كما يقول المثل المغربي خصوصا وأن الربيع العربي هزهم هزا عنيفا ، لكن ذلك لم يحصل مع شديد الأسف إما لأن زعيم حزب المصباح عندنا خضع لضغوط تماسيحه وعفاريته أو أنه تآمر معهم على من وضعوا الثقة في حزبه كما هو سائد اليوم لدى قطاع عريض من الرأي العام الوطني ، وهو ما يقول به خصومه . ولقد تأكد بالفعل وجود تماسيح وعفاريت من خلال الإعفاءات التي طالت بعضها ، ولا زالت مستمرة ، ونأمل أن تشمل العاتية منها ليتعافى هذا الوطن المسكين من ضراوتها .
وحين نقارن موقف زعيم حزب المصباح التركي من الانقلاب المالي عليه مع موقف أحد وزراء حزب المصباح المغربي ، نجد الأول يأمر شعبه بمقاطعة المنتوجات الأمريكية بكل شجاعة ، والتخلص من عملة الولايات المتحدة والعملة الأوروبية حماية للعملة التركية ، بينما نجد الثاني يخرج في مظاهرة مضادة لمقاطعة الشعب منتوجات غذائية ووقود بسبب غلائها ويصف المقاطعين بأقبح النعوت ، فشتان ههنا أيضا بين مصباح تركي مشع ، ومصباح مغربي باهت .
وحين نقارن بين موقف زعيم المصباح التركي وهو يصر على الحديث بلغته التركية مع الأجانب معتزا بهويته ، وبين موقف زعيم المصباح المغربي وهو يتكلف الحديث باللغة الانجليزية ولا يتقنها حتى أنه عرض نفسه للسخرية والاستهزاء، يبدو لنا الفرق واضحا بين مصباح ومصباح فيما يخص التشبث بالهوية والاعتزاز بها ، ويا ليت زعيم المصباح المغربي تحدث بالعربية أو الأمازيغية وهو لهما متقن .ولن نخوض في مقارنات أخرى علما بأنها كلها تفضي إلى نفس النتيجة التي مفادها أن المصباح التركي مصباح حقيقي بينما يبدو المصباح المغربي مجرد لعبة من لعب الصبية .
وبقدر ما يسجل المصباح التركي مواقف مشرفة وفي مستوى المرجعية الإسلامية التي أعلن عنها ، نجد المصباح المغربي يجر على هذه المرجعية النقد العنيف ، ويسيء إلى الإسلام حتى قيل يا ليت أصحاب هذا المصباح أعلنوا تراجعهم عن إعلان هذه المرجعية احتراما لهذا الدين وصيانة له من أقوال الخصوم والسفهاء والرعاع الشامت منهم والتابع .
وسوم: العدد 785