رؤية في صناعة الاقتصاد
في ظل ما نعاصره في هذه الحقبة -ولربما فيما سبقنا أيضاً- فإن قوة الإقتصاد هي أحد وسائل القوة التي لا يمكن إهمالها، علاوة على أن الإقتصاد هو عامل أساسي في كل وسائل وادوات الصراع التي نعرفها. في ظل هذا التشابك المعقد بين الإقتصاد والسياسة والقوة، فإن لي رؤية في هذا أحببت أن أشارككم بها.
أستبق هذه الرؤية بمشاهدة قد تثير الإهتمام، وبحاجة إلى دراسة. واجهت وتواجهه أمتنا حروباً إقتصادية متتالية، وموجهة لكل بلداننا، سواء من يهادن الأعداء أو من يواجههم. ونكاد نرى ان من يهادنهم يخسر أكثر في معارك إقتصادية يتم تجميلها، أو يخسر في عمليات إبتزاز بمسميات إقتصادية سياسية مشتركة. وفي كلا الحالتين لن يعترف الخاسر بالخسارة أمام شعبه وأمته. لأنه لا يرغب في سماع الإنتقادات الحاد منها واللطيف على حد سواء. فيغطي هذه الخسارة بشيئ آخر يقود إلى خسارة أخرى. هذا موضوع حري بالدراسة لمعرفة حجم خسارة الأمة في مواجهاتها ومعاركها الإقتصادية، وماذا تعلمنا من هذه الدروس.
يقوم إقتصاد أي دولة على قدرتها على توفير السيولة للقيام بما ترغب القيام به. وتوفير السيولة يأتي عادة من: 1) الصادرات 2) التحويلات الواردة 3) الإستثمارات سواء الداخلي منها أو الخارجي. وهناك عدة مصادر أخرى أقل تأثيراً، لن نأتي على ذكرها هنا.
ولكي يتحسن إقتصاد الدولة، عليها الإهتمام بتحسين هذه العوامل جميعها لتوفير السيولة وضمان تدفقها، وليس التركيز على البعض فقط. وهناك حلول عادة ما تكون خارج الصندوق، وخارج النظم التقليدية لتطوير هذه العوامل.
تركيا -وينطبق هذا على دولنا العربية الأخرى- نجحت في العقدين الآخيرين بسبب سياسات جديدة على السمت التركي العلماني. بمجرد ما توجهت قليلاً نحو الاتجاه الإسلامي حتى إنطلقت طاقات كثيرة أوصلتها إلى ما هي عليه الآن. أدى الإنفتاح التركي على العالم العربي وشرق آسيا وروسيا وأوروبا وافريقيا إلى النهضة التي ظهرت معالمها خلال السنوات الأخيرة في تركيا.
المزيد من الإنفتاح على نفس الأسواق وبتسهيلات أكثر، سيمنح تركيا أفضلية مقابل إحتياجات الناس إلى الإستقرار والأمان وجودة الحياة. وعندها سيتحرك الناس طواعية مع إستثماراتهم.
لذا أرى أن هناك حلولا في مواجهة ازمة الليرة التركية فيما يلي:
1) البدء في بناء مجتمع متعدد الثقافات وعدم التركيز على العرق
2) الإستعداد لإستقطاب الناس الذي يرغبون في الإستقرار في تركيا، وتسهيل آليات مجيئهم وإستقرارهم، من تأشيرات وإقامات أو قوانين جنسية، وإمكانية إقامة ما يلبي حاجاتهم الثقافية بسهولة
3) الإنفتاح أكثر في موضوع تسهيلات الإستثمار الموجه للصناعة والخدمات
4) إستمرار وتطوير الإهتمام بالتنمية البشرية بغض النظر عن العرق
5) الإنفتاح على معظم الدول في المحيط وتخفيف حدة العداوة مع الجميع سواء كانت أنظمة دكتاتورية أو عسكرية أو مدنية. فمن سيأتي منهم إلى تركيا مع الوقت هم زبدة ما في هذه المجتمعات.
6) تقوية النظام المدني والحقوقي والشفافية والحريات في المجتمع والحافظ على هذه القيم.
هذه العوامل ستؤدي إلى حركة بشرية قوية محورها تركيا، وهذا سيصنع بدوره حركة سيولة مالية قوية وإستثمارات أكبر. هذه العوامل هي من بنت دولة الخلافة ثم الدولة الأموية ثم العباسية وغيرها.
هذا لا يتنافى بالتأكيد مع المعالجات الإقتصادية الأخرى للحفاظ على العملة، وليس بديلا عنها، ولكنه لفت الإنتباه إلى أبعاد أخرى كانت هي المحرك الرئيس خلف الكثير من تجارب النهوض في عالمنا المعاصر.
وسوم: العدد 785