دَوَّلَةُ الإسْلامِ لا تَغيبُ
يُصِّرُ الغُلاةُ والمُتَّحزِبُون من المسلمين ..أن عِبَارةَ " طائفة " الواردة في حديث رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم :" لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق لا يَضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تَقومَ الساعةُ" إنَّما تَخصُ الأفراد والجماعات الدينية فحسب .. ولا تشمل الحكومات والدول على الإطلاق .. لذا يقولون ويَصِّرون على أن دَوَّلةَ الإسلامِ اليومَ غائبةٌ لا وجود لها .. وأن الدَوَّلَ القائمةَ في بلدان العرب والمسلمين إنَّما هي دولٌ مَصنوعةٌ لا شرعيَّة لها..!!! إنَّ مثل هذا الفهم إنَّما هو اعتداء على نهج الإسلام .. الذي لا يتسع لمثل هذا الفهم العقيم السقيم بحال .. لكونه فهماً يتناقض مع قوله تعالى : " وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ " الذي يؤكد أن عبارة : " طائفة " تشمل الدَوَّلَةَ والحُكْمَ .. لأن إقامة العدل وإنفاذ مقتضاه إنما هو من شأن الدولة والإمامة ومسؤولياتهما.. يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى :" وَمِمَّنْ خَلَقْنَا " أي بعضاَ من الأمة .. وفي تفسير قوله تعالى :" أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ " أي يهدون بالحق قولاً وعملاً .. ومعنى قوله تعالى: " وَبِهِ يَعْدِلُونَ " أي يعملون ويقضون.. قال سعيد عن قتادة أن النَبيَّ كان إذا قرأ هذه الآية " وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ " يقول : " هذه لكم " وقد أُعطي القومُ - يعني قوم موسى عليه السلام - بين أيديكم مثلها لقوله تعالى :" وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ " وقال أبو جعفر الرازي رحمه الله تعالى : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قرأ " وممن خلقنا أمة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ "قال : " لا تزال طائفةٌ مِنْ أمتي ظاهرين عَلَى الحقِ لا يَضُّرهم مَنْ خذلهم ولا من خالفهم حتى تَقومَ الساعة " وبعد .. فإنَّ ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم (هذه لكم) أي للمسلمين وهو رَئيسُ الدَوَّلَةُ .. يؤكد أنَّ المَقصودَ مِنْ قوله تعالى :" وممن خلقنا أمة يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ" هو استمرارُ الدَوَّلَةِ وَسُلطانِ الله تَعالى في حَيَاةِ النَّاسِ .. وأن عبارة (طائفة) في الحديث الشريف تشمل الدَوَّلَةَ تَحّدِيداً .. وأنَّ دَوَّلَةَ الإسْلامِ لا تغيب .. نعم قد ينتابها حالة من الضعف والتَّخلُفِ وقِلّةِ الرُشدِ .. إلا أنَّها لا تغيب على الإطلاق .. فهي تبقى تُمثلُ شوكةَ الاسْلامِ واستمراريَّةَ حُضور الأمةِ وإمامتها.. لِتضمنَ حُقوقَ المسلمين وتَحمي إرثِهم وتاريخِهم .. وَتَحرسُ سيادتَهم بينَ الأمَمِ .. وبذلك تَسقطُ مقولة : (غِيابُ الدَوَّلَةِ المُسْلِمَةِ ) وَتَسقطُ معها مقولة : (غيابُ الوجودِ الحضَاريِّ المُعاصرِ لِلأمَةِ المُسْلِمَةِ ) وَيَسقطُ كُلَّ فقه وفهم وأحكامٍ مؤسسةٍ على مثل هذا الفهم المتشنج المعتل .. مِمَّا هو اليَومَ مصدرٌ لِفتنةٍ هوجاء حمقاء آخذةٌ بتَّدمِيرِ الأمَةِ .. وَتنشرُ الرُعبَ والذُعرَ في بُلدانِها .. الأمرُ الذي يُوجبُ التَعاونَ والتَعَاضُدَ بينَ حُكمَاءِ وَعُقلاءِ وَعُلماءِ وَمُفكريّ الأمةِ وَسَاسَتِها لِيُطَّهرُوها مِنْ هَذا الفِقهِ المُدَّمِر ..والله سبحانه المستعان.
وسوم: العدد 785