الإسلام في أفريقيا الحلقة (40)
المهدي المزعوم يريد أفريقيا كلها بعد القضاء على الدولة الأغلبية
وأقام المهدي المزعوم بعد الاستيلاء على سجلماسة أربعين يوماً، وكان ظهوره من سجلماسة يوم الأحد لسبع خلون من ذي الحجة سنة (296هـ/908م).
فلما تم له من يوم الفتح أربعون يوماً نهض يريد إفريقية. وأمر بإحضار الأموال التي جمعها الدعاة، فلما حضرت قبضها. وسار إلى (رقادة) فوصل يوم الخميس لعشر بقين من شهر ربيع الآخر سنة (297هـ/909م). وحضرت إليه الأموال من (إيكجان) فدخل رقادة بأمواله وصولجانه.
وزالت بدخول المهدي رقادة دولة بني الأغلب التي حكمت ما يقرب من (112) سنة، وكذلك ملك (بني مدرار) الذين كان آخرهم اليسع وكان لهم في الملك (130)سنة، وزال أيضاً ملك (بني رستم) الذي دام (160)سنة، وملك المهدي العبيدي كل ذلك في سنة واحدة.
ونزل المهدي المزعوم بقصر رقادة بعدما خرج إليه أهلها وأهل القيروان.. والداعية أبو عبد الله ورؤساء القبائل مشاة بين يديه وولده خلفه فسلموا عليه فرد عليهم رداً جميلاً وأمرهم بالانصراف.
فلما أصبح يوم الجمعة أمر الخطيب أن يذكره في الخطبة فيقول: أبو محمد عبد الله الإمام المهدي بالله أمير المؤمنين. فلما صعد الخطيب المنبر وانتهى إلى ذكر المهدي قام الفقيه (جبلة بن حمود الصدفي) قائماً وكشف رأسه حتى رآه الناس ومشى من المنبر إلى آخر الجامع وهو يقول: قطعوها قطعهم الله! – يعني قطعوا الخطبة لبني العباس - ويكررها. وقام الفقهاء ووجوه البلد معه فما حضر أحد من الأمثال.
وجلس رجل بعد الجمعة يعرّف بالشريف ومعه الدعاة وأحضروا الناس بالعنف والشدة ودعوهم إلى مذهبهم، فأجابوا إلى ذلك إلا القليل. فأمر بهم فضربوا وحبسوا.
ونابذ طائفة من الفقهاء المهدي حتى إنه أدخل برجل على الوالي، فقال له الوالي: قل: لا إله إلا الله!
فقال له: أما من قولك، فلا. إني لا أدري ما تقول لي بعدها.
ودخل بآخر وبين يديه مصحف فقال له: أليس هو القرآن؟
فقال له: ما أعرف ما هو.
ووجد رجل من أصحاب المهدي المشارقة مقتولاً فأتوا إليه وقالوا: قتل رجل من الأولياء.
قال: واين هو؟
قالوا له: أكلوه ولم يبق إلا عظام ساقيه.
فقال المهدي: هذا بلد لا يحل أن يقام به.
وأمر بقتل المحبوسين إن لم يرجعوا عما هم عليه، فقتل منهم على ما قيل أربعة آلاف رجل في العذاب ما بين عابد وفقيه وصالح وزاهد. ولذلك قال (سهل) في قصيدته:
وأحل دار البحر في أغلاله … من كان ذا تقوى وذا صلوات
أسباب نجاح الدعوة العبيدية في المغرب
بعد الضعف والوهن الذي أصاب الدولة العباسية في بغداد وتناهُشْ الموالي من الأتراك السلطة واستئثارهم بها دون الخليفة، حتى غدوا هم الذين يعزلون وينصبون ويقتلون، وبالتالي سرى المرض إلى باقي أجزاء هذه الخلافة المترامية الأطراف الممتدة من أسوار الصين شرقاً وحتى المحيط الأطلسي غرباً، مما جعل هذه الدولة العظيمة مرتعاً للمتنافسين على مراكز القرار فيها، بحيث لم يعد الخليفة بمقدوره الدفاع عن حاضرة دولته بغداد، وقد هددها (الزنج) وأضرموا نار الثورة التي دامت أربع عشرة سنة (255-270هـ/868-883م) عرّضوا فيها كيان الدولة للخطر، كما أصبحت دلتا الفرات تحت رحمة العصابات من قطاع الطرق الذين أدخلوا الفزع والهلع في قلوب الأهلين، وتعدى بلاؤهم إلى محاصرة أمهات المدن كالبصرة، والأهواز وواسط.
هذه الحالة التي آلت إليها الدولة العباسية تكشف لنا مبلغ الضعف الذي وصلت إليه السلطة المركزية في بغداد، هذه السلطة التي عجزت حتى عن الدفاع عن الولايات المتاخمة لحاضرة الدولة. ومن هنا يتبين لنا مبلغ سهولة نجاح الدعوة العبيدية وإقامة دولة لها في شمال إفريقية البعيدة عن مركز الخلافة، لما أصابها من وهن وضعف وتصارع الأمراء الولاة عليها من قبل بغداد.
يتبع
وسوم: العدد 793