الإعلام الجديد.. معركة كسر العظم
إعلان الناشطة السعودية المعروفة منال الشريف إغلاق صفحتيها على «فيس بوك» و»تويتر» مرّ مروراً عادياً، إذ لم يسترعِ ذلك كله انتباه الناشطين ولا القائمين على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا اهتمام المحللين والخبراء الإعلاميين، فالناشطة عزت الإغلاق إلى تهديدات تلقتها من الذباب الإلكتروني، وهو النهج الذي دأب عليه هذا الذباب -للأسف نجح فيه إلى حدٍ ما- في إفساد الهواء النقي الصافي الذي تنفسته وسائل تواصل الإعلام الجديد بعيداً عن عاديتي الاستبداد والمال، التي ابتُليت بهما وسائل الإعلام التقليدية خلال العقود الماضية.
عنصر السرعة الذي ميّز عصرنا الحالي، انعكس بشكل كبير على إعلاميينا وتشكيل رأينا العام، وغدت وجبات «كنتاكي» و»ماكدونالدز» الإعلامية غذاء للرأي والفكر، كما هي وجبات الغذاء السريعة، فلم يعد كثير من البشر قادراً على إنفاق كثير من وقته في معرفة تفاصيل وأحداث كما كان بالأمس، ولعل ظاهرة الشخص الإعلامي الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي عزّزت كثيراً الإعلام الجديد، ودفعت بالإعلام القديم إلى الوراء، لا سيما وأن شريحة الشباب المعتمدة والقادرة على التعامل مع الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي، استطاعت أن تتفوق على الشريحة العمرية القديمة التي لا تحسن التعامل مع الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي، وإن استطاع بعضها التعامل معها فلن يكون كتعامل الشريحة الشبابية.
لقد غدت الوسيلة في هذا العصر أهم من الرسالة نفسها، فلا الإعلامي التلفزيوني قادر على نقل رسالته بدون أجهزة بث فضائي، ولا الإعلامي الشخصي في عصر الهواتف الذكية قادر أيضاً على نقل وتوصيل رسالته بدون هاتفه الذكي، ولذا كانت الوسيلة أهم من الرسالة نفسها، ومع هذا لا بد من مضمون جذاب ومختلف وذكي خلال عملية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ولذا رأينا أن كثيراً من الشباب الذين اعتمدوا بشكل أساسي ورئيسي على الوسيلة دون المضمون لا يحظون بمتابعين كثر، أما من استطاع الجمع بين الأمرين، مضمون جيد وجذاب ووسيلة نقل إعلامية حديثة، فقد تمكن من حصد متابعين كثر ومشاهدين أكثر.
الجيوش الإلكترونية التي نقلت بعض الدول معاركها الواقعية من الأرض إلى الفضاء الإعلامي، أفسدت كثيراً من نعمة التواصل الاجتماعي، فقد أدركت الأنظمة الاستبدادية -وحتى غير الاستبدادية للأسف وإن كانت بدرجة أقل- أن المعركة الحقيقية هي معركة كسب القلوب والعقول، وساحة هذه المعركة هي وسائل التواصل الاجتماعي بعد تراجع دور وسائل الإعلام التقليدية، وإغلاق كثير من جرائدها بسبب ضائقة المال، وعدم جاذبية طريقتها للشباب الملتفت إلى النقل السريع للأخبار والأحداث، ولذا رأينا هذه المعارك في الربيع العربي، بعد الموجة الأولى لانتفاضة الشعوب على مستبديها وطغاتها، فكانت الموجة الثانية في دخول عشرات الآلاف من الحسابات الوهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، والتشويش على المتابعين وعلى الأفكار التي تُطرح ضد الاستبداد وآلياته، وتجلى ذلك أكثر خلال الاختراق الروسي للانتخابات الأميركية، وتأثير هذا الاختراق على اختيار أهم رئيس عالمي في واشنطن. مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد الحرية الإعلامية، وتحرر الشعوب من مستبديها، بحاجة إلى تضافر جهود كثيرين وليس الإعلاميين فقط، إذ لا بد من تعاون المشرّعين في البرلمان والقضاة في المحاكم والبوليس الجنائي والإعلاميين أنفسهم، وكذلك لا استغناء عن تعاون أصحاب مواقع التواصل الاجتماعي نفسه، بإغلاق الحسابات الوهمية وملاحقة أصحابها ومروّجيها، فضلاً عن المهدّدين لأصحاب القلم الحر والمواقع الحرة، كما حصل أخيراً في حادثة استشهاد الصحافي جمال خاشقجي، كل هذا التعاون كفيل بوقف أبواق الذباب الإلكتروني، وإعادة هذه الوسائل الإعلامية إلى أهدافها الحقيقية التي قامت من أجلها.
وسوم: العدد 797