فِتْنَةُ المُصْطَلَحَاتِ .. وَ هَرْطَقَةُ الغُلاةِ -1
المُصطلحُ منْ أدواتِ المُجادلةِ الثقافيَّةِ والسياسيَّةِ ..والعرب تقول:( لا مُشَاحَّة في الاصطلاح ) وهذه القاعدة تصح وتستقيم في إطار الاعتقاد الواحد والفكر الواحد والثقافة الواحدة .. أما يوما تعدد المعتقدات وتختلف المفاهيم والثقافات فإن هذه قاعدة لا تصح ويختل أمرها ولا يستقيم اعتمادها.. ولكن لِمَ ..؟ لأنَّ المصطلح مما يصطلح النَّاس على تحديد معناه ودلالاته وفق قيمهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم .. فإذا اختلفت هذه المعايير اضطربت معاني ودلالات المصطلح .. فالمصطلح نبتة تنتعش وتزدهر في تربة اعتقاد وثقافة ومعارف أهله.. فإذا اقتُلِعَ من تربة نشأته ونقل إلى تربة أخرى ذَبُل ويَبِسَ وتعطلت دلالاته التي اصطلح عليها بين أهل تربته وثقافتهم ومعارفهم.. ولنضرب لذلك مثلاً : الاشتراكيَّةُ مصطلحٌ تَولَّد من رَحم المَاركسيَّة الجدليَّة المَاديَّة المُلحدة ..التي أقامت ثقافةَ أجيالِها واعتقادهم ومعارفهم على معتقد: (لا إله والحياة مادة) وعلى قاعدة :(أنَّ الدين أفيون الشعوب ) وعلى هذا الأساس فإنَّ الاشتراكيَّة مذهبٌ اجتماعيّ واقتصاديّ تقوم سلوكياته وأخلاقياته على كل ما يتناقض مع فكرة الإله والرحمة والتراحم والمودة والإحسان .. فعنما يعشقه أحدٌ مع الجهل بطبيعة نشأته وكينونته ويذهب ليزرعه في تربة غير ترته مثل تربة الإسلام -على سبيل المثال - فستواجه هذه الزراعة حالة من الرفض الشديد .. وسيقوم صراع مرير بين النبتة وتربتها الجديدة .. ويتضرر الطرفان وتتولد مفسدة كبرى .. وهذا ما واجهته الاشتراكيَّةُ بالفعل مع تربة الإسلام .. بل هذا ما واجهته مع تربة الفطرة الربَّانيَّة للإنسان الروسي نفسه.. والتي تتناقض مع فلسفة من صنَعوها وفرضوها عليه بالقوة.. فَذبلت وفشلت وتهاوت أصنامها بأيدي بني جلدتها.. وأُحرجَ عُشاقُها من العرب والمسلمين ومن كل ملل الأرض.. ولكن ..؟؟؟!!! والديمُقراطيَّةُ :لا تختلف قصتها عن قصة الاشتراكيَّة وهي مهددة اليوم بنفس المصير الذي أصابها .. فالمتتبع للأصوات المتنامية في الغرب مطالبة بإعادة النظر بالديمقراطيَّة.. يَلمس بيسر هذه الحقيقة القادمة.. وأهلها يصرخون: لقد شاخت الديمقراطيَّة واستنفذت صلاحياتها مع مستجدات العصر .. ولم تعد قادرة على مواكبة التطورات التكنولوجيَّة والاجتماعية والاقتصاديَّة المذهلة .. وباتت عاجزة عن التعامل مع تداخل شؤون المجتمعات البشريَّة ومصالحاها المشتركة المعقدة.. يتبع بالرسالة القادمة بعون الله.
وسوم: العدد 800