فِتْنَةُ المُصْطَلَحَاتِ .. وَ هَرْطَقَةُ الغُلاةِ - 25
( الفِتْنَةُ وَالهَرْطَقَةُ -2)
أجل هناك فرق كبير وكبير جداً بين من يُفْتَنُ بما عند الآخر ويستسلمُ له ويذعنُ .. ثم يَتخلَّى عن هويته وقيمه وثقافته لصالح ما افتتن به .. وبين من يُعْجَبُ بما عند الآخر من تقدم وارتقاء وأداء حكيم .. فينطلق يحاكيه وينافسه ويحاول أنْ يأتي بأفضل وأجود مما عنده .. فالتكامل والتنافس في بناء الحضارة أمرٌ مطلوب ومحمودٌ .. فالحضارة كما نَوهْتُ من قبل : نتاج للتقدم المادي والثقافيِّ ..فَلِكُلِّ أمة لبنتها الماديَّة في البناء التراكُميِّ للجدار الحضاري البشريِّ ..ولِكُلِّ أمةٍ بصماتُها الثقافيَّة والأخلاقيَّة .. فالأمم تتكامل وتتنافس في البناء الحضاريِّ الماديِّ والتِقَنْيِّ .. وتتمايز في بصمات أدائها الأخلاقي والثقافيِّ.. والسير الحضاريِّ الراشد للأمم يكون مع التكامل والتعاون والتنافس في الشقين الماديِّ والثقافي .. لا أن يُلغى أحدُهما لصالح الآخر أو أنْ تُقهر أمةٌ لصالح هيمنة أخرى.. أردت بتجلية الفارق بين الا فتتان والاستسلام وبين الإعجاب والمحاكاة والتنافس .. لتأكيد خطورة الافتتان على السير الحضاريِّ البشريِّ الآمن .. ولأؤكد أنَّ الأخطر من الافتتان والتسليم هو الغلو والتطرف وإلغاء الذات لصالح الافتتان وموضوعاته ومفردات خطابه .. وللأسف فإنَّ الغلو والتطرف يبلغ عند البعض أحياناً درجة الهرطقة والشعوذة .. وعلى سبيل المثال ففي الأمس فُتِنَ النَّاس بالاشتراكيَّة وعبَّروا عن عشقهم لها نثراً وشعراً .. وخرج من بين المسلمين رغم - التناقض الحاد - بين الإسلام والشيوعيَّة من يقول : (اشتراكيَّةُ الإسلامِ) معبِّراً بذلك عن إعجابه وافتتانه بالاشتراكيَّة وزخرفها إذّاك .. وراح أمير الشعراء يتغنَّى ويصدح واصفاً سيدنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنَّه أبو الاشتراكيَّةِ وإمامُها فقال :
الاشتِراكيِّون أَنتَ إِمامُهُمْ... لَولا دَعاوي القَومِ وَالغُلَواءُ
وما أنْ خَفُتَ بَريقُ وهمِ الاشتراكيَّة وتَهاوت أصنَامُها .. وَكَفَرَ بها أهلُها وهَدموا بأيديهم تماثيلَ طُغاتها .. نَدِمَ يومئذ المفتونون وأخذوا يتراجعون ويبررون ما انزلقت به أهواؤهم.. وراحوا يَتلاومون ولاتَ ساعةَ مَنْدَم . يتبع بعون الله تعالى.
وسوم: العدد 804