قصصُ العُروج(110)
نسائمُ النساء
*اختيار المرأة لزوجها:*
من حق المرأة أن تختار زوجها الذي ستقترن به في حياتها كلها، بحيث تُعبّر عن ذلك بأي وسيلة من وسائل الاختيار، فهذه ابنة نبي الله شعيب قد بعثت إلى أبيها برسالة مُقَنَّعَة تُعبّر فيها عن إعجابها بموسى، وذلك بقولها: *{يا أبتي استأجره...}*، وهو ليس الإعجاب العاطفي الخالي من الخلال الطيبة والبعيد عن المنطق والواقع، فقد جربته وخبرته بفطنتها، فأشارت إلى موضع إعجابها وهو القوة والأمانة: *{إن خيرَ من استأجرتَ القويّ الأمين}*، وماذا تريد المرأة أكثر من أن يكون قرينها قوياً بعلمه وحنكته وبَسْطة جسمه، وأميناً بصدقه وإخلاصه وطهارة قلبه؟!
*الأمل والواقع:*
قد يأمل الإنسان شيئاً ويحقق الله ما هو أفضل له منه، فهذه امرأة عمران كانت قد نذرت ما في بطنها لخدمة بيت الله، وكانت آملة في أن يرزقها الله ولداً ذَكَراً، لكنها وضعت أنثى وهي مريم سيدة نساء العالمين التي بقى ذكرها خالداً في ذاكرة الإنسانية جمعاء، والتي أنجبت ذلك الرجل الذي بهر الناس بإعجازه حيث جاء من غير أب وصارت له معجزات خارقة ومنها إحياء الموتى!
*المُفاضلة النِّسبية:*
عندما وضعت زوجة عمران مريم ولم تلد ابناً اعتذرت عن نذرها فقالت: *{وإني وضعتُها أنثى وليس الذَّكَر كالأنثى}*، والآية لا تدل على أفضلية مطلقة للرجال كما يظن أصحاب الثقافة الذكورية، بل على أفضلية نسبية تتنقل بين الرجال والنساء حسب الظروف والمقامات، حيث يكون الرجل أفضل في بعض الظروف وتصير المرأة أفضل في ظروف أخرى، وقد أشار الله تعالى إلى هذه الحقيقة في تعليله لقوامة الرجل، فقال تعالى: *{الرِّجالُ قوّامون على النساء بما فضّل اللهُ بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}*، حيث لم يقل بما فضّل الله الرجال على النساء ولكن بما فضّل الله بعضهم على بعض، فالأفضلية في المجال التي تتطلبها القوامة هي للرجال، لكن الأفضلية ستنتقل للنساء في مجالات أخرى، ومنها المقامات التي تحتاج إلى عاطفة قوية، ومنها مقام الأمومة؛ والأفضلية العملية هنا قادت إلى أفضلية في الجزاء، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالأم ثلاث مرات وفي الرابعة ذكر الأب، بل وجعل "الجنة تحت أقدام الأمهات"!
وسوم: العدد 808