صفحات مجهولة من تاريخ العلاقات السورية الأمريكية 2

(التدخل الأمريكي المباشر في سورية والانقلاب العسكري الأول)

الحلقة الثانية

أمريكا – بقيادة الرئيس (هاري ترومان) – كانت تنظر إلى سورية، داخل إطار استراتيجيتها الإقليمية، بوصفها تمثل قلب الشرق الأوسط، ومرور خطوط أنابيب النفط في أراضيها، وطرقها الجوية الاستراتيجية، وضخامة كمية النفط والغاز فيها، إضافة للموارد الأخرى، وأهمية الاحتكارات الأمريكية فيها، ودورها الرئيسي في الأزمات السياسية بسبب موقعها كبوابة لشرق البحر المتوسط، ونشاطها الكبير حكومة وشعباً في الشؤون السياسية والثقافية للعالم العربي، فكانت المشكلات التي نتجت عن احتلال فلسطين، مثل مشكلات ترسيم الحدود، وموقفها من اللاجئين فيها منذ عام 1947م، قد قادت الولايات المتحدة إلى التدخل لتنصيب ديكتاتور أطلقت عليه اسم (ديكتاتور جمهورية الموز) ، وسمت هذا الديكتاتور بحسب رأي (ديفيد وليش) بسبب عدائه للشيوعية، ورغبته بالسلام مع إسرائيل، ويحقق مصالحها الاقتصادية، وكان الجنرال (حسني الزعيم) هو الرجل المطلوب، الذي يمكن أن تعتمد عليه أمريكا في تنفيذ أجندتها في المنطقة. فقام الزعيم بانقلابه المدبر ليلة 30 آذار عام 1949م مبتدئاً سلسلة الانقلابات التي كانت السبب المباشر لضياع فلسطين، مستغلاً تذمر الناس من النكبة التي حلت في فلسطين، ونقمة الناس على الجيش السوري الذي لم يقم بواجبه الأكمل تجاه فلسطين، والفساد الذي كان يعشعش بين قياداته، والتي كشفها النائب فيصل العسلي وطالب بمحاكمة الضباط الفاسدين في الجيش وعلى رأسهم حسني الزعيم. وفضَّ الزعيم فور نجاح انقلابه البرلمان وقبض على زمام الدولة، واعتقل قادة الأحزاب والسياسيين، ولاحق الوطنيين وكل الذين رفضوا التعاون معه، وتلقب بالمشير. وألف وزارة ودعا إلى انتخابه رئيساً للجمهورية.. فانتخبه الناس خوفاً في 26 حزيران عام 1949، وراح يتمثل في حكمه، بغرور وصلف وتجبر، نابليون وموسوليني وهتلر. وهكذا نجحت أمريكا في تنصيب رجلها حسني الزعيم حاكماً على سورية، فلبى سريعاً ما أرادته منه، فعمل على ما يلي:

1-عقد اتفاقية الهدنة مع إسرائيل.

2-القبول بالمساعدات الأمريكية التي رفضها شكري القوتلي.

3-تحسين العلاقات مع تركيا حليفة الغرب.

4-القضاء على الحياة الديمقراطية والدستورية في سورية.

5-التصديق على امتياز شركة أرامكو القاضي بأن تقوم شركة التابلاين بنقل النفط السعودي إلى البحر المتوسط عبر سورية بشروط الشركة.

وهذا ما أكده مسؤول المخابرات الأمريكية السي أي إيه في دمشق (مايلز كوبلاند) في كتابه (لعبة الأمم) بقوله: (انتهينا إلى نتيجتين بخصوص سورية، فهي مقبلة إما على ثورة دموية مسلحة يقودها الانتهازيون الاشتراكيون، أو حركة عسكرية بدعم سري منا، وبالطبع كنا مع خيارنا، وكان انقلاب الزعيم من إعدادنا وتنظيمنا، وقد حافظ الانقلاب كما رسمنا له، على صيغة سورية بحتة أمام الجميع). وبالفعل قامت المخابرات الأمريكية بالتخطيط لهذا الانقلاب في السفارة الأمريكية في دمشق، وتحت توجيهها، ثم قتلته بواسطة سامي الحناوي بعد أن تمرد على أوامرها، كما كان حسني الزعيم على علاقة جيدة مع الملحق العسكري الأمريكي قبيل الانقلاب، وعشية الانقلاب طاف حسني الزعيم مع السفير الأمريكي في شوارع دمشق على متن سيارة مكشوفة، إضافة لعلاقته بالسي أي إيه، وقد برر (مايلز كوبلاند) هذا الانقلاب بأنه كان ضرورياً من أجل الديمقراطية في سورية (هذه هي الديمقراطية التي يريدها لنا الغرب!!) وقررت الولايات المتحدة وحلفاءها فرنسا وبريطانيا عدم بيع السلاح لسورية قبيل حرب عام 1948م، لإدراكهم بأن سورية يمكن أن تلعب دوراً فاعلا في إفشال مخططات الغرب، وتحول دون استقرار المنطقة وتهديد أمن إسرائيل.  

أطاح الجنرال سامي الحناوي فجر الرابع عشر من آب عام 1949 برجل أمريكا (أي بعد أقل من خمسة أشهر من انقلابه)، وسلم المدنيين الحكم وأعاد الجيش إلى ثكناته، وأشرف هو بنفسه على سياسة الحكومة، وناوأ الولايات المتحدة وسعى إلى إفشال مخططاتها في سورية، وسعى لإقامة وحدة بين سورية والعراق، فعملت أمريكا على استخدام عملائها لإيقاف نهجه باعتباره مؤيداً لمشروع الهلال الخصيب، وتسخيره الجيش لتحقيق هذا المطلب الشعبي، بعد فوز حزب الشعب بأغلبية مقاعد الجمعية التأسيسية، وهذا ما أكده وزير خارجية الولايات المتحدة (دين أشيسون).

يتبع.....

وسوم: العدد 808