قصصُ العُروج(112)
شُؤمُ الإنسان
إناء (اليوم):
يمكن القول بأن (اليوم) قطعة قُدّت من صخر الزمان، حيث يصنع الإنسان إناء (اليوم) من مادة الزمن، ومن ثم فإنه يملأه بالخير أو الشر، بالصلاح أو الفساد، بالإيمان أو الكفر، ويَستغرقه في البناء أو الهدم، في عمل الصالحات أو اجتراح الطالحات، وعليه فإن اسم اليوم يحمل المضمون الذي يملأه، ولهذا وجدنا الأنبياء يحذرون أقوامهم من *{عذاب يوم أليم}* [هود: 26]، ومن *{عذاب يوم عظيم}* [الشعراء: 135]، ومن *{عذاب يوم محيط}* [هود: 84]، ومن *{عذاب يوم كبير}* [هود: 3]، حيث يحمل اليوم في كل مرة وصفاً آخر، بحسب نوع الهول الذي سيحدث فيه.
ومن هذا الباب فقد نسب القرآن النَّحسَ إلى اليوم، ولكن ليس على عادة البشر في التشاؤم والتطير، وإنما حكاية عن الزمن الذي منحه الله كأداة لملئه بالهداية فأبى الناس إلا ملأه بالغواية، وذلك مثل قوله تعالى: *{إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نَحْس مُستمر}* [القمر: 19]، حكاية عن قوم عاد !
*يوم الأيام*:
ولأن اليوم مجرد إناء زمني يملأه المرء بما يريد، وسيشرب من جنس ما صَبّ في هذا الإناء من شرور أو خيرات، فقد عبّر عنه في ذات الحادثة بالجمع تارة، كقوله تعالى عن عذاب قوم عاد: *{فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات}*، وفي آية أخرى قال: *{سخّرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما}*، وفي موضع آخر قال: *{ إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نَحْسٍ مستمر}* [القمر: 19]، وهو هنا اسم جنس يشمل المفرد والجمع، وربما جعله مفردا ليشير إلى واحدية العذاب الشديد، بينما تحمل الأيام معنى التنوع.
*ظلمُ القرى*:
إن شؤم الإنسان عندما ينحرف عن الجادة وينتكس في الطريق، ينعكس سلباً على كل من حوله وما حوله، فكما أنه يصيب الأيام بنحسه، فإنه يصيب بشؤمه المكان الذي يسكنه والقرية التي تحتضنه، ومن ذلك قوله تعالى: *{ وكذلك أخْذُ ربك إذا أخَذَ القرى وهي ظالمةٌ إنّ أخْذَه أليمٌ شديد}* [هود: 102]، فقد وصف القرى بأنها ظالمة مع أنها ليست مكلفة ولا تمارس الظلم بل ولا طاقة لها به، لكن الناس هم الذين يظلمون أنفسهم، وتجدهم عندها يملأون الزمان والمكان بالظلم، حيث يعمرون البيوت بالفساد، ويُشيعون المنكرات في أرجاء القرى، حتى تبدو للرائي كأنها هي الظالمة !
*انتقامُ الآيات*:
الآيات هي منارات تدل على الحق وقناديل تضيء طريق السائرين، ومن ثم فإنها نعمة عظيمة من الله، سواء كانت آيات القرآن أو آيات الأنفس والآفاق، أو حتى آيات المعجزات والكرامات الخارقة لنواميس الكون وقوانين الحياة.
لكن شؤم الإنسان قد يحيل هذه النعم إلى نقم، ولذلك فإن الذين يُكذِّبون بهذه الآيات ينالهم العذاب العاجل في الدنيا قبل الآخرة، كما قال تعالى: *{ومن يَكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب}*، ومن لم يهضم آيات الله هضمته، كما حدث مع فرعون الذي كذّب بالآيات التسع التي جاء بها موسى فأغرقه الله وجعله لمن خلفه آية، قال تعالى: *{فاليومَ نُنجّيك ببدنك لتكونَ لمن خلفَك آية}*، وهكذا هو نظام الآيات فإن من لم يَستفد من عبَرها جعلته عبرةً لغيره.
بُورِك المُتدبِّرون
منتدى الفكر الإسلامي
وسوم: العدد 810