قبرنا أهلنا
صعقت عندما قرأت أن قاضية في محكمة الصّلح في بيت لحم، قد أصدرت حكما بسجن مواطن كادح يبيع على الرّصيف؛ ليعيل أسرته، بالسّجن لمدّة عام؛ لأنّه قال لها في قاعة المحكمة "قبرتِ أهلك اسمعيني" وهذه عبارة شعبيّة نقولها جميعنا لأقرب وأحبّ النّاس إلينا وإلى قلوبنا، وكثيرا ما نقولها لأبنائنا الذين هم فلذات أكبادنا، وهي تعني العتاب المحبّب، ومثلها كثير من الأقوال الشّعبيّة التي نستعملها بشكل عفويّ، ولا تعني بشكل من الأشكال مدلولها اللفظي.
ولتذكير سعادة القاضية فإنّ الرّئيس محمود عباس وفي اجتماع المجلس المركزيّ، قد قال وببثّ مباشر أمام عدسات عشرات مراسلي الصّحف والفضائيّات، محتجّا على مواقف وتصريحات معادية لقضايانا العادلة للرئيس الأمريكي رونالد ترامب"يخرب بيتك"، ولم تأخذها أمريكا التي تحكم العالم بمدلولها اللفظي، وحتّى أنّها لم تقدّم احتجاجا أو تطلب اعتذارا بسبب ذلك. وللتّذكير أيضا فإنّ الأديب الكبير محمود شقير قد وردت في إحدى قصصه في مجموعته القصصيّة "خبز الآخرين" عبارة "يخرب بيتك"، ولم يحتجّ النّقاد على ذلك.
وصاحبنا بائع الرّصيف الذي لا أعرفه ولا أعلم ماذا يبيع، إلا أنّني أرى بعيني باعة الرّصيف في مدننا يبيعون أشياء بسيطة، ولا يتجاوز سعر بضاعتهم المعروضة مئة شاقل؛ ليسدّوا رمق أسرهم في ظلّ البطالة المتفشّية، وإن صحّ الخبر بالحكم على ذلك المواطن الكادح، فإن سعادة القاضية قد "خرّبت بيت" ذلك المواطن وهدمته على رأسه وعلى رأس أسرته، ولا أعلم القانون الذي استندت عليه القاضية في إصدار حكمها الجائر، خصوصا وأنّني على يقين بأنّه ليس واردا عند ذلك المواطن تعيس الحظّ أن يسيء إلى سعادة القاضية، أو إلى المحكمة والقضاء. وبما أنّ الرّجوع عن الخطأ فضيلة، فإنّني أتمنّى على سعادة القاضية أن تتحلّى بالفضيلة التي نعهدها بقضاتنا؛ لتوفّر على ذلك المواطن أجرة المحامي عند الإستئناف، لأنّه لو كان يملك أجرة المحامي لما باع على الرّصيف، وبالتّأكيد أيضا أنّ وزير العدل لن يوافق على هكذا حكم جائر.
وسوم: العدد 812