الإسلام لا يستجدي ذكرا ولا أنثى ولا ينفعه ملتزم به ولا يضره متحلل منه
مع حلول الثامن من شهر مارس من كل سنة ، تنطلق عندنا الجوقة العازفة لحنها الذي صار بفعل تكراره ممجوجا ، ويتعلق الأمر بدعوات صادرة من عدة جهات تنادي بإنصاف المرأة المغربية من ظلم مسلط عليها مصدره المتدينون بدين الإسلام بالنسبة للبعض ، أما بالنسبة للبعض الآخر، فمصدره الإسلام نفسه الذي يجب أن يعطل لتقادم شرعه ، وتجاوز الزمان له .
ويدور سجال طويل عريض بهذه المناسبة عبر وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي بين مختلف التوجهات ، بعضها يهاجم الإسلام وأنصاره ،والبعض الآخر يدافع عنه ، علما بأن الإسلام هو دين جبّار السماوات والأرض جل جلاله، والذي لو اجتمع الخلق أولهم وآخرهم إنسهم وجنّهم على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكه شيئا ، ولو اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكه شيئا ، ومن رضي بهذا الدين إنما ينفع نفسه ولا ينفع أحدا ، ومن لم يرضه إنما يضرها ولا يضر أحدا .
ولقد أكمل الله تعالى دين الإسلام الذي هو الدين عنده مصداقا لقوله تعالى : (( إن الدين عند الله الإسلام )) وهو الدين الذي ارتضاه للبشرية جمعاء من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم . وكمال الإسلام بالرسالة الخاتمة إنما يعني كمال شرعه ، وكمال شرعه يعني أن الإنسان الذكر والأنثى نال ما يستحق من حقوق لا ترقى شرائع وضعية مهما كانت إلى توفير وضمان مثلها . فإذا كان الله عز وجل يقول في محكم التنزيل ويتحدى الخلق قائلا : (( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا )) ، وهذا التحدي لا يقتصر على لغة هذا القرآن وأساليبه وبلاغته وإعجازه كما تنصرف الأفهام إلى ذلك غالبا ،بل يشمل شرعه أيضا ، وبناء عليه لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل شرعه لا يأتون بمثلها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا لأنه من وضع الخالق جل جلاله .
ومعلوم أن الذي يقول قناعة وصدقا عقب سماع كلام الله عز وجل " صدق الله العظيم " يشهد على نفسه بأن ما شرعه خالقه في القرآن الكريم هو منتهى كمال التشريع الذي لا يمكن أن يدرك شأوه غيره أو يضاهيه .
ومما جاء به شرع المولى جل شأنه حقوق العباد ذكورا وإناثا ، ولا يمكن للشرائع الوضعية أن ترقى إلى مستواها مهما ادعت ذلك ، لأن في هذا الإدعاء تكذيب لما قاله الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا . وحين يأتي هذا الادعاء ممن ينكر كلام الله والرسالة الخاتمة العالمية المصدقة لما بين يديها والمهيمنة عليه لا يهم ،ولكن لا ينبغي أن يصدر مثل هذا الادعاء عمن يقر بصدق كلامه سبحانه وتعالى .
والمؤسف أن بعض الذين يعلنون إيمانهم بهذه الرسالة الخاتمة يحذون حذو من لا يؤمن بها حين يتعلق الأمر بحقوق المرأة ، فيرون ما جاء فيها من حقوقها معيبا بل فيه جور وظلم لها ، ويلتمسون حسب زعمهم إنصافها بتجاوز ما شرع الله عز وجل لها إلى ما شرعته الشرائع الوضعية في مؤتمر بكين وغير مؤتمر بكين ، وهذه صورة من صور نفاق هذا العصر الذي يطبع مواقف عدة أطراف تظهر تصديقها لما قال الله تعالى بألسنتها ، وفي المقابل تطالب بتعطيل ما شرع أو تجاوزه إلى ما شرع البشر ، لو نزعت تلك الأطراف أقنعة نفاقها لأراحت واستراحت ، وما عاب عليها أحد أن تأخذ أو تنادي بحقوق للمرأة غير الحقوق التي شرعها لها خالقها .
وكل أنثى لا ترضيها الحقوق التي ضمنها لها شرع الله عز وجل ، لها كامل الحرية في التماس ما تشاء من بدائل عنها في غير شرعه ، ولكن لا حق لها في مناقشة ما شرع سبحانه أو انتقاده أو اتهامه أو النيل ممن يرضونه .
إن ما يحدث اليوم عندنا ليس المطالبة باستبدال ما شرع الله عز وجل للمرأة بما شرع البشر فقط بل المطالبة بفرض ما شرع هذا البشر فرضا ، وفي هذا ما فيه من تجاسر على الخالق ، واحتقار واستخفاف بالمخلوق لأنه لا حق لجهة من الجهات مهما كانت أن تفرض شرعها على خلق الله ، وهو ما يعني منازعته سبحانه وتعالى في سلطانه، وهو الذي جعل الكبرياء رداءه والعظمة إزاره ، ومن نازعه واحدا منهما ألقاه في النار كما جاء في الحديث القدسي المشهور .
والذين يريدون استبدال حقوق المرأة المسلمة عندنا والتي ارتضاها لها الله عز وجل بحقوق وضعها لها البشر يزعمون نفاقا منهم أنهم ليسوا ضد ما شرع الله لها وإنما هم ضد إساءة فهم وتطبيق ما شرع على حد زعمهم وادعائهم . ومعلوم أن كل من يستهدف الإسلام يتذرع بذريعة الاختلاف مع الذين يأخذون بشرع الله وليس الاختلاف معه ، وفي هذا ما يدل على أن أصحاب هذه الذريعة الواهية يرفعون أقدارهم في العلم بشرع الله فوق أقدار غيرهم ، ولا يسلم من أذاهم وانتقادهم قديم ولاحديث ولا معاصر ممن يدعو إلى الالتزام بهذا الشرع ، فكل هؤلاء في نظرهم جامدون قد ضاقت آفاقهم وعفا عنهم الزمن ، وهذا غرور مثير للسخرية وللشفقة في نفس الوقت .
ونختم بالقول إن الإسلام لا يستجدي ذكرا ولا أنثى ، ولا ينفعه ملتزم به ولا يضره متحلل منه ، فمن رضيه دينا فله الرضا ،ومن سخط فله السخط . وليس من حق أحد أن يكره الناس على الأخذ بشرائعه الوضعية إذا كان شعار شرع الله عز وجل هو لا إكراه في الدين ، وهو القائل سبحانه مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم : (( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )).
وسوم: العدد 814