عَولمَة الأرض ، اليوم : تُعجّل في تقدّمها ، أم في دمارها ؟
عولَمةُ الأرض - حتى تصبح قريةً صغيرة - تعجّل ، في خرابها ؛ فمفاتيحها بأيدي قوى الشرّ، والأزرارُ النووية، بأيدي شياطين ، يدمّر أحدُها العالمَ ، إذا استطاع ، حين يجد نفسَه ، سيدمَّر!
الصعود الشاقولي ، في وسائل الدمار، مع الهبوط الشاقولي ، في الأخلاق : معادلة صعبة ، مخيفة ، فالحضارة تحتاج ، إلى أخلاق تمسكها ، وإلاّ دَمّرت نفسَها !
أين العقلاء ، من صنّاع الحضارة ؟
أين العلماء ، في الدول ، التي صنعت الحضارة ، وباتت تصدّرها ، إلى البشرية ؟ (على مذهب مَن جعل المدنية ، هي الحضارة ، ولم يجعل المدنية ، مستقلة عنها ؛ ولم يجعل لكلّ أمّة حضارتَها ، الخاصّةَ بها)!
أين سدنة الحضارة ، المحافظون عليها ، المشفقون على ضحاياها : الحاليين ، والمرشّحين ، لأن يكونوا ضحايا، من أبناء دول الحضارة ، ومن أبناء الدول المختلفة ، التي تُمِدّ الحضارة ، بأنساغها : البشرية ، والاقتصادية ، وغيرها ؟
أين الكتّاب ، والمفكّرون ، والمختصّون.. العقلاء، في كل علم وفنّ ؛ ممّا يجري ، اليوم : لهم ، ولأهليهم ، ولشعوبهم ، ولدولهم .. وممّا سيجري ، إذا تعامَوا ، عمّا يمارسه : عسكرُ الحضارة الحالية ، وساستّها ، وإعلاميوها ، وأجهزة استخباراتها..عمّا يمارسه هؤلاء ، ومَن يؤازرهم ، ويسير في ركابهم ، من : وصوليين ، وانتهازيين ، ومصفّقين ، ونافخين في الأبواق !؟
مَن يُمسك ، بمقاليد القوّة ، اليوم ، بأنواعها : العسكرية ، والأمنية ، والاقتصادية ، والإعلامية ..!؟
إنهم الشواذّ ، في كلّ شيء : شواذّ في النزعات النفسية ، وشواذّ في الأخلاق البشرية ، وشواذّ في شدّة أنانيتهم ، وشواذّ في نظرتهم إلى الإنسان ، وشواذّ في تعاملهم مع العالم ، الذي يعيشون فيه ..!
وإنهم المنحرفون ، عن كلّ قيمة سامية ، وعن كلّ طبع أصيل ، وعن كلّ خلق نبيل ..!
إنهم الذين يصنعون السلاح ، ليقتلوا الناس به ، ويقبضون ثمنه .. ويصنعون العلاجات ، التي تداوي جرحى سلاحهم ، ويقبضون أثمانها .. ويُعيدون بناء ماهدّمته أسحلتهم ، ويقبضون أثمان البناء.. وينشرون في العالم، الفيروسات الفتاكة ، التي يصنعونها في مختبراتهم ، ليصنعوا مضادّاتها وعلاجاتها ، ويقبضون أثمان المضادّات والعلاجات !
إنهم الذين يدمّرون أبناءهم ونساءهم ؛ وبالتالي أنفسهم ، باسم الحرّية الشخصية ، التي تبيح أشنع أنواع الانحراف والشذوذ ، التي يصعب تخيّلها ؛ ممّا يؤدّي ، بالضرورة ، إلى تفكّك الأسر ودمارها ! فلا يثق أحد ، من أفرادها، بأحد، ولا يقيم الابن وزناً ، لأمّه أو أبيه ، إذا عرفهما ، كليهما ، أو عرف أحدهما !
إنهم الذين يصفون الطالب ، الذي لا يصاحب فتاة ، في المدرسة الإعدادية ، أو الثانوية ، فيزني بها.. يصفونه بأنه مريض نفسياً ، ويحتاج إلى معالجة ، من مشرف اجتماعي ، أو من طبيب مختصّ ، إذا كان ذا عفّة وطهارة .. ويصفون الطالبة ، التي تحرص على شرفها وعرضها ، فلا تزني ، مع زميل لها ، أو صديق.. يصفونها ، بأنها مريضة ، نفسياً ، بحاجة إلى علاج ! أمّا الأطفال ، الذين يولدون من السفاح ، فيُرمى بهم ، في حاويات النفايات ، أو في دور رعاية الأيتام ، إذا وُلدوا أحياء !
هؤلاء هم صنّاع الحضارة ، وسدَنتها ، وحرّاسها ! إنها الحضارة ، التي تنبّأ بسقوطها ، قبل نصف قرن ، أحد مفكّريها الكبار، ومنظّريها المعدودين ، المميّزين : كولن ولسون ، في كتبه المعَمّقة ، الجادّة ، من مثل : (اللامنتمي) ، و (سقوط الحضارة) ، وسواهما !
لم يَعد العالمُ ، اليوم ، كرة أرضية ، فيها شعوب ودول ، لكلّ شعب خصائصه وميزاته ، ولكلّ دولة سيادتها واقتصادها وأمنها .. بل صار العالم ، كلّه ، أشبه مايكون ، بقرية ، مختلطة الأجناس ، والألوان ، والأعراف، والتقاليد .. تتحكّم بها ، عصابات الشذّاذ ، والمنحرفين ، والمجرمين(إجرامياً حضارياً) !
فإلى متى !؟
وسوم: العدد 815