إن يفرط حكام المسلمين والعرب اليوم في فلسطين فسيوكّل بها الله عز وجل من ليسوا فيها بمفرطين
مما يبعث على الآمال العريضة في نفوس المؤمنين أن الله عز وجل ذكر في كتابه الكريم وعودا ، ووعوده سبحانه وتعالى ناجزة لا تتأخر إذا جاء موعدها لأنه لا يخلف الميعاد .
واستلهاما لوعد الله الناجز في قوله تعالى : (( فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين )) وسياق هذه الآية الكريمة هو حديث الله عز وجل عن دعوة الإسلام ، يجدر بنا كمؤمنين أن نستيقن بأنه سبحانه وتعالى كما وعد بأن يوكّل بهذه الدعوة من يؤمن بها إذا كفر بها ، فإنه وعد أيضا بأن يوكّل من لا يفرط في أرض الإسراء والمعراج حين يفرط فيها ويحتلها اليهود ، وذلك بطردهم منها حين يعلون فيها وفي عموم الأرض علوا كبيرا ، وما أظن إلا أن علوهم قد صار بالفعل كبيرا، وقد تمكنوا من التحكم في أقوى دولة في العالم ، وصاروا ينصبون فيها رؤساء لا يعصون لهم أمرا ، ويستجيبون لما يملونه عليهم حتى بلغ الأمر حد اعتراف الرئيس الأمريكي الحالي بمدينة القدس عاصمة أبدية لهم ، وتصريحه مؤخرا بسيادتهم على هضبة الجولان السورية المحتلة ، ولن يقف الأمر عند هذا الحد بل سيعترف بما يسمى دولة إسرائيل ما بين فرات العراق ونيل مصر ، فإن لم يفعل ذلك هو ، فسيفعله من سيليه ممن سينصبه مكانه اليهود ، وحينئذ سيبلغ علوهم الدرجة الكبيرة التي تستوجب ظهور عباد الله أولي البأس الشديد الذي يضعون حدا لعلوهم في أرض الإسراء والمعراج و في عموم الأرض.
وتوكيل الله عز وجل بدعوة الإسلام من يؤمن به كتوكيله سبحانه بأرض الإسراء والمعراج من لا يفرط فيها . والتوكيل كما يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسيره لكتاب الله عز وجل هو : " إسناد صاحب الشيء تدبيره إلى من يتولاه ، ويكفيه كلفة حفظه ، ورعاية ما به بقاؤه ونماؤه " .
والملاحظ في وقتنا هذا أن أرض الإسراء والمعراج قد تم التفريط فيها ممن يجب عليهم تحريرها ، وصيانتها و كفايتها كلفة حفظها ، ورعاية ما بها بقاؤه ونماؤها ، ولا بقاء ولا نماء لها إذا عمّها وما حولها التهويد . ومعلوم أن كفايتها كلفة حفظها تستوجب استرجاع ما ضاع منها وصار بيد اليهود ، وحماية شعبها من الإبادة ، وصيانة مقدساتها من التدنيس ، ومن تغيير معالمها التغيير الذي يفقدها وظائفها ورمزيتها الدينية .
ولقد اجتمع بعض زعماء العرب في آخر مؤتمر لهم في تونس وهم الذين وكّلوا بتحرير وحماية أرض فلسطين، فأخذت لبعضهم صور تبادلتها الشعوب العربية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهم يغطون في سبات عميق داخل قاعة المؤتمر ، وهي صورة معبرة ، وترمز إلى واقع حالهم وهم منشغلون عن أرض فلسطين ومفرطون في واجب تحريرها من نير الاحتلال الصهيوني الغاشم .
وبقدر ما يزداد التفريط في أرض الإسراء والمعراج من طرف الحكام المسلمين عموما والعرب خصوصا ، يقرب من التحقق وعد الله الناجز بتوكيل من يقوم بتحريرها وحمايتها وصيانتها . وإذا كان في هذا الزمان الإنسان المسلم عموما والعربي خصوصا قد دبّ إلى نفسه اليأس الكبير بسبب علو اليهود في أرض الإسراء والمعراج وفي الأرض عموما ، وبات مقتنعا أن فلسطين ستهود لا محالة ، فإن اشتداد يأسه هو بداية الفرج لا محالة إن شاء الله تعالى لأن وعد الله ناجز ، ولا يمكن أن ينال شرف تحرير تلك الأرض المقدسة إلا من وصفهم الله عز وجل بعباده أولى البأس الشديد الذين سيبعثهم لإنجاز وعده ، والذين لن يفرطوا فيها كما فرط فيها هؤلاء ، وما هؤلاء إلا الذين تقاعسوا عن الدفاع عنها ، واستسلموا وانبطحوا لليهود وهرولوا للتطبيع معهم ، واشغلوا عن تحريرها بالصراعات فيما بينهم ، وباستخدام أسلحتهم في سفك دماء شعوبهم المضطهدة والمحكومة بالحديد والنار ،وهي أسلحة تكلفهم أموالا طائلة تستنزف ثروات الوطن العربي ، ومعظم شعوبه تموت جوعا ومرضا ، ولا تجد ما تسد به الرمق ، ولا ما تعالج به السقم ، وأموالها تصب صبا في خزائن من نصبه اليهود على رأس أقوى دولة في العالم ليصرح بوقاحة أن أرض فلسطين هي ملك أبدي لهم .
وأخيرا نقول لكل مؤمن له إيمان ويقين راسخان لا يتزعزعان بوعود الله عز وجل الناجزة أبشر، إن يفرط في فلسطين حكام المسلمين والعرب اليوم، فسيوكّل بها سبحانه من ليسوا فيها بمفرطين .
وسوم: العدد 818