وقفة لغوية مع لفظة "تعاقد"
وقفة لغوية مع لفظة "تعاقد" محل الخلاف بين حاملي الشهادات والوزارة الوصية على قطاع التربية عسى أن تسهم في حله .
ليس من قبيل الصدفة أن صارت مؤخرا لفظة " تعاقد" مثار اهتمام كبير لدى الرأي العام في مجتمعنا، وهي لفظة مشتقة من الجذر اللغوي " عقد " الذي يحيل على عدة معان منها :
ـ عقد الشيء إذا التوى كأن فيه عقدة، وهذا حقيقة أما مجازا فيقال:
ـ عقد الإنسان أو عقد لسانه إذا كانت في لسانه حبسة.
ـ عقد وعقّد صفقة أو اتفاقا إذا أبرمهما وأجراهما .
ـ عقد العزم أو النية إذا نوى.
ـ عقد الأمل إذا رجى وتمنى .
ـ عقد الزواج أو البيع إذا أجراهما وأتمّهما .
ـ عقد ناصيته إذا غضب وتهيأ للشر .
ـ عقد ما بين حاجبيه إذا عبس وقطّب.
ـ عقد شيئا فوق رأسه إذا عصبّه به أو تتوج به .
ـ عقّد الحبل إذا بالغ في عقده ، وهذا حقيقة أيضا أما مجازا فيقال :
ـ عقّد المشكلة إذا جعلها أكثر تعقيدا أو جعلها معضلة لا حل لها.
ـ عقّد الكلام إذا جعله غامضا عسير الفهم.
ـ عقّد اللبن إذا جعله رائبا ، وعقّد العسل إذا غلاّه حتى غلظ هذا حقيقة أما مجازا فيقال:
ـ عقّد اليمين إذا أكدها ووثقها وعزم على البر بها وصارت عنده غليظة.
وتشتق من هذا الجذر الثلاثي ألفاظ منها :
ـ العقد بفتح العين وهو العهد ، والاتفاق بين طرفين ، كما أنه يدل على الأعداد من العشرة إلى التسعين .
ـ العقد بكسر العين وهو الخيط الذي ينظم فيه الخرز أو غيره ويحيط بالعنق للزينة.
وما يعنينا في هذا المقال هو العقد بفتح العين الذي يعني العهد والاتفاق بين طرفين، وهو كما يقال شريعة المتعاقدين .
وحين يحصل الاتفاق بين طرفين يسمى تعاقدا وهي صيغة " تفاعل " التي تدل على ثلاثة معان هي :
ـ المشاركة : فيقال مثلا تضارب زيد وعمرو إذا ضرب كل واحد منهما الآخر.
ـ المطاوعة : فيقال مثلا باعدت زيدا فتباعد .
ـ التظاهر : فيقال مثلا تمارض زيد إذا تظاهر بالمرض وما هو بمريض.
نعود إلى التعاقد محل النقاش في بلادنا هذه الأيام وهو تعاقد بين الوزارة الوصية على قطاع التربية ، وبين حاملي الشهادات الراغبين في امتهان مهنة التدريس .
والسؤال المطروح بخصوص هذا التعاقد هو : أي معاني التعاقد أرادت هذه الوزارة ؟ هل المشاركة أم المطاوعة أم التظاهر ؟
فإذا كان المقصود بها معنى المشاركة، فالأمر يتعلق بإبرام صفقة بينها وبين حاملي الشهادات ،ويكون الطرفان فيها سواء في ذلك ، وهذا ما تقول به الوزارة والله من وراء قصدها ونيتها.
وإذا كان المقصود بها معنى المطاوعة ،فالأمر يتعلق بإكراه حاملي الشهادات على التعاقد فتعاقدوا مكرهين ، وهذا ما يقولون به هم .
وإذا كان المقصود بها معنى التظاهر ، فالأمر يتعلق بتظاهر الوزارة بالتعاقد وما هي بمتعاقدة مع حاملي الشهادات بصدق نية بل بسوئها بحيث تشغلهم حتى إذا قضت منهم وطرها تخلصت منهم بطريقة أو بأخرى .
ونظرا لاحتمال ورود هذه المعاني الثلاثة لكلمة "تعاقد "، فقد دار حولها كل هذا النقاش الذي لا زال قائما ، ذلك أن حاملي الشهادات يتخوفون من معنى المطاوعة ومعنى التظاهر ، الشيء الذي يعني فقدان الثقة في نية الوزارة .
ومع أن عبارة : " العقد شريعة المتعاقدين " فإن الخلاف كان ولا زال قائما حول ضرورة مبدأ حسن النية بين المتعاقدين أو عدمه ، ذلك أن البعض يعتبر التعاقد يتضمن بالضرورة هذا المبدأ ، في حين لا يرى ذلك البعض الآخر.
ومعلوم أن المشكل القائم بين الوزارة وحاملي الشهادات هو حضور أو غياب مبدأ حسن النية ،فإذا اطمأن هؤلاء إلى انصراف قصد الوزارة عن معنى المطاوعة والتظاهر لكلمة تعاقد إلى قصد المشاركة، زال توجسهم ، وحلت عقدة الخلاف بينهم وبينها .
وما دام التعاقد يحتمل ورود معنى المطاوعة ومعنى التظاهر بسبب الشك في نية الوزارة وطوبتها ، فإن حاملي الشهادات يفضلون التوظيف على التعاقد لأن به يقطع كل شك ، وشتان بين التوظيف والتعاقد ، ذلك أن معنى وظّف في اللسان العربي تعني أسند شخص ما وظيفة أو عملا إلى شخص آخر، ومنه وظّف له رزقا إذا عينه له على الدوام والتأبيد ، وهو ما لا يحصل في التعاقد المحكوم بالفسخ حيث ينقطع الرزق بفسخه ، وفسخه إنما يكون بيد الطرف الأقوى فيه ، وليس بيد الطرف الأضعف.
وأخيرا نأمل أن تؤخذ بعين الاعتبار الدلالات اللغوية لكلمة " تعاقد " أثناء صياغة تفاهم بين الوزارة وحاملي الشهادات لحل المشكلة العاقلة بينهما والتي نرجو ألا تصير معضلة معقدة قدعقّدها فقدان الثقة بين الطرفين.
وسوم: العدد 820