إذا كانت الأمم غير المسلمة لا يزعها إلا السلطان فمن المفرض في الأمة المسلمة أن يزعها القرآن
إذا كانت الأمم غير المسلمة لا يزعها إلا السلطان فمن المفرض في الأمة المسلمة أن يزعها القرآن قبل أن يزعها السلطان
عبارة " يزع الله بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن " أثر منسوب إلى عثمان بن عفان أو عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، ويقصد به أن الله عز وجل يمنع أو يحبس أو يزجر أو ينهى مقترف الممنوع أو المحظور بالسلطان أكثر مما ينهاه بالقرآن . وكثيرا ما يتبادل الناس عندنا فيديوهات تصور لنا أحوال الأمم غير المسلمة خصوصا الغربية منها، وهي تلتزم في سلوكها اليومي بالامتناع عن إتيان ما يمنعه سلطان القوانين الوضعية في مجتمعاتها ، وهو أمر يثير إعجاب المعجبين بهم الذين يتبادلون هذه الفيدوهات ، وغالبا ما يردد هؤلاء عبارة : انظروا إلى استقامة سلوك هؤلاء الغربيين أوغيرهم ، فأين نحن منهم كمسلمين ؟ ولا يخطر لمن يردد هذه العبارة أن الأمر عند هؤلاء المعجب بسلوكهم يتعلق بوازع سلطان قوانين يزعهم لا بطبع وسجية فيهم ، ولا عن قناعة وطيب خاطر منهم ، وأنهم قبل أن يتطبعوا بهذا السلوك أو ذاك قد حوسب وعوقب منهم من لم يلتزم به ،فكان عبرة لمن يعتبر.
ومعلوم أن بني آدم في كل عصر ومصر لا يزعهم عن ارتكاب الممنوع إلا وازع ، ولا يرعوي أو يكف أحد منهم عن الممنوع إلا بوازع .
ومعلوم أيضا أن الله عز وجل منذ بدء الخليقة تعهد البشرية بوحي يوحيه إلى صفوة خلقه من الأنبياء والرسل صلواته وسلامه عليهم أجمعين ، ويضمنه المباح لهم والممنوع عنهم . ويعتبر ذلك الوحي وازعا يزعهم . ولما ختم الله عز وجل الوحي بالرسالة الخاتمة المنزلة على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وهي رسالة موجهة إلى الناس كافة إلى غاية نهاية العالم وقيام الساعة ،فقد جعلها وازعا يزع الناس جميعا ،فلا يقترفون ممنوعا منعهم منه . وإلى جانب وازع الرسالة الخاتمة وهي القرآن جعل الله السلطان وازعا أيضا لأن من لم يزعه القرآن وزعه السلطان على حد قول الفاروق أو ذي النورين رضي الله عنهما
والناس مع الوازع الذي يزعهم في هذه الحياة ثلاثة أصناف وهي :
ـ صنف يزعه القرآن ، فيجعل لهم رقيبا من أنفسهم يراقبهم ويحاسبهم ، ولا داعي لأن يزعهم السلطان .
ـ صنف لا يزعه القرآن بل يزعه السلطان .
ـ صنف لا يزعه قرآن أو سلطان .
ويدخل تحت هذه الأصناف الثلاثة المؤمنون وغير المؤمنين.
وكمثال على هذا التصنيف نذكر سلوك الأصناف الثلاثة مع محرم أو ممنوع وليكن على سبيل المثال لا الحصر جريمة الزنا ، فالصنف الذي يزعه القرآن يكفيه تلاوة قول الله عز وجل : (( وحرّم ذلك على المؤمنين )) بل هو لا يقربه لقوله تعالى : (( ولا تقربوا الزنا )) . أما الصنف الذي يزعه السلطان عن إتيان هذه الفاحشة ،فهو الذي يخشى أن يعاقبه من يتولى أمر عقابه رجما إن كان محصنا أو جلدا إن كان غير محصن ، والصنفان معا من المؤمنين ، وقد يكون الذين يزعهم السلطان من غير المؤمنين أيضا إن كانت جريمة الزنا ممنوعة في شرائعهم الوضعية .أما الصنف الذي لا يزعه قرآن ولا سلطان، فهو من غير المؤمنين لأنه لا يؤمن بالقرآن ،ولا بما فيه من حد يحد به مرتكب جريمة الزنا ولا الشرائع التي تحكمه تمنعه من ذلك أو أنها تمنعه، ولكنه لا يرعوي ، وقد يكون من هذا الصنف مؤمنون يتعمدون ارتكاب هذه الجريمة لا خوفا من الله عز وجل ولا خشية حد الزنا خصوصا إذا أمنوا من تطبيق هذا الحد في مجتمع لا يطبقه .
وعلى هذا المثال تقاس كل الممنوعات سواء ما منع شرع الله عز وجل بالنسبة للمؤمنين أو ما منعته الشرائع الوضعية بالنسبة لغير المؤمنين .
ولنعد إلى الذين يسوقون الفيديوهات التي تنقل بعض سلوكات غير المؤمنين ويشيدون بها وهم بها منبهرون ، ويستكثرون على المؤمنين أن يسلكوا مثلها ، فنقول لهم إذا أردتم المقارنة بين مؤمن وغير مؤمن، فلتكن مقارنتكم بين من يزعه القرآن فقط دون السلطان ، وبين من يزعه السلطان ، فشتان بين الأول والثاني ،ولهذا لا مجال للمزايدة على المؤمنين من خلال مقارنة المحسوبين على الإيمان دون التزام حقيقي به ، وهم من لا يزعهم لا قرآن ولا سلطان بغير المؤمنين الذين يزعهم سلطان قوانينهم الوضعية .
إننا نعلم جيدا أن الأمم الغربية التي يحكمها سلطان شرائع العلمانية إنما تخشى هذا السلطان فقط ، ولو لم يكن الأمر كذلك لم نصبت كاميرات الرصد في أسواقها الممتازة ، وعلى طرقها السيارة ، وفي كل مكان يمنع فيه سلوك ما . وإذا أرادت المجتمعات الغربية أن تثبت لنا أن رعاياها يتصرفون في حياتهم تجاه الممنوعات عن طبع وسجية أو عن ضمير حي دون خوف من سلطان ،فلتزل كاميرات الرصد من الأماكن المرصودة .وكم من رعايا غربيين يزعهم سلطان مجتمعاتهم الذي يوجعهم بضربهم إلى جيوبهم بعقوبات مادية إن ارتكبوا ممنوعا، ينشدون الممنوع إذا حلوا بمجتمعات أخرى لا يخشون سلطانها ، وكمثال على ذلك نذكر إقبال بعض الغربيين على ما يسمى بالسياحة الجنسية في غير بلدانهم والتي يكون ضحاياها من القاصرين أو تعاطيهم لممنوعات أخرى في غفلة من سلطان البلدان التي يحلون بها زوارا أو سياحا .
إن المنبهرين ببعض سلوك الغربيين عندنا ومنهم الفرنسيون على سبيل المثال يضربون صفحا عن ماضي احتلالهم البغيض لبلادنا وما صاحب ذلك من جرائم فظيعة ،ومن نهب وسلب ، وقد تحولوا في نظرهم من شياطين لئام إلى ملائكة كرام بين عشية وضحاها .
ومن قصور النظر عند هؤلاء المنبهرين بالغربيين الانشغال بتوافه الأمور كاصطفافهم وانتظامهم في طوابير في مطاراتهم أو في محطات القطار أو عند بوابات ملاعبهم... أو ما شابه ذلك ، في حين يغضون الطرف عن أمور في منتهى الخطورة من قبيل إباحيتهم أو عنصريتهم أو غزوهم لبلاد غيرهم وارتكاب الفظائع فيها . وليس من الموضوعية في شيء أن يقتصر الأمر على ذكر محامد قوم مع إغفال مساوئهم .
وأخيرا نختم بالقول إنه لا مجال لمقارنة مؤمن ملتزم حق الالتزام بغير مؤمن لأنه لن يتعلق بغباره إذا ذكرت محامده ، وعلى رأسها محمدة وازع القرآن الذي يكسبه تقوى الله عز وجل والخوف منه وحده دون الخوف من وازع سلطان .
وسوم: العدد 820