كلّ إخراج تعسفيّ ، من السلطة : له نوع من الإخراج المسرحي!
الإخراج من السلطة : عنوان عامّ ، يشمل سائر أنواع الإخراج ! ويختلف الناس ، في تفصيلات الإخراج المسرحي ! ولن نتحدث ، هنا ، عن الإخراج الدستوري ، عبر صناديق الاقتراع ، والانتخاب الحرّ النزيه ؛ بل نحصر الموضوع ، في الإخراج التعسّفي ، عبر القوّة العسكرية ، أيّ : بانقلاب عسكري !
الإخراج المسرحي ..
الجهة المخرجة ..
أهليتها ، وصلاحيتها :
انقلاب حسني الزعيم ، والانقلابات التي جاءت بعده ، فأخرجته من السلطة ، وأخرجت مُخرجيه ، ومخرجيهم!
أوّل من أخرج الحكومة المنتخبة ، من السلطة ، بانقلاب عسكري ، في الدول العربية ، هو: الجنرال حسني الزعيم ، في سورية / عام 1949 / ! ولا أهلية له ، على المستوى السياسي ، ولا صلاحية له ، في الانقلاب على الحكومة المنتخبة ، سوى أنه يملك القوّة العسكرية ، المتمثّلة بالجيش السوري !
بيئة الإخراج الداخلية (الدولة الشعب) :
كان الجيش السوري ، قد شارك ، في حرب فلسطين /عام 1948/ مع بعض الجيوش العربية ، فانتصر اليهود ، في نتيجة الحرب ، وألقي اللوم ، على الجيوش ، التي حاربت وهُزمت ، بصرف النظر، عن الأسباب والمسوّغات ، والتلاوم بين القادة ، والزعماء السياسيين ، والعسكر.. ونحو ذلك ! وكانت خيبة أمل الشعوب بحكوماتها ، هي البيئة الأنسب ، للإطاحة بها ، عسكرياً !
بيئة الإخراج الخارجية ، المناخ الإقليمي والدولي : كانت البيئة الخارجية ، مهيّأة ، لمثل هذا الانقلاب ! فقد خرجت أمريكا ، من الحرب العالمية الثانية ، قوّة عظمى مهيمنة ، وباشرت بالتدخّل ، في شؤون الدول ، التي كانت تحت الاحتلالين البريطاني والفرنسي ، مثل : سورية ، والعراق ، ومصر، ولبنان ، والأردن ، ودول المغرب العربي! وكان من مصلحة أمريكا، كَنسُ النفوذَين الفرنسي والبريطاني ، من المنطقة ، والحلول محلّهما! فطفقت تراهن ، على عسكر هذه الدول ، وباركت انقلاب الزعيم ، على الحكم المدني ، الذي كان أكثر ساسته المتنفّذين ، من العناصر، التي ارتبطت ببعض الولاءات ، بالدولة الفرنسية ، التي كانت تحتلّ سورية !
ذرائع الإخراج ، الحجج والمسوّغات والشعارات :
أهمّ الذرائع ، التي تذرّع بها الزعيم ، وتذرّع بها ، مَن بعدَه ، من قادة الانقلابات ، في الدول العربية ، هي : الخيانة ، والعمالة للغرب (وهي التهمة ، التي كانت تطلَق ، على بعض الدول ، التابعة للدول الاستعمارية)! وكانت أمريكا ، هي الرائدة ، في تصفية مخلّفات هذه الدول الاستعمارية ؛ لتحلّ محلّها ، في السيطرة والنفوذ ، ونهب ثروات الدول ، المحرّرة من الاستعمار!
وحين استمرأ العسكر، في سورية ، الانقلابات ، أطاحوا بالزعيم ، ثمّ أطاحوا ، بمن أطاح به ! وظلّت الانقلابات، يتلو بعضها بعضاً ، حتى عام/ 1954 / حين قام ، في سورية ، حكم مدني ، منتخب من قبل الشعب !
أمّا الانقلابات المتوالية ، التي جاءت بعد انقلاب الزعيم ، في دول متعدّدة ، فجاءت بحجج ، مماثلة لحجج الزعيم ، وحجج غيرها ، تناسب كلّ قائد انقلاب ، في زمانه ومكانه ، وظروف بلاده وشعبه !
قام انقلاب مصر العسكري / عام 1952 / بقيادة جمال عبد الناصر، وهو يحمل شعارات الثورة : ضدّ الرجعية والعمالة للاستعمار.. وشعارات محلّية ، تغري جماهير بلاده !
وقام انقلاب عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف ، في العراق ، فأطاح ، بصورة دموية ، بالأسرة الهاشمية ، التي كانت تحكم العراق ، برعاية بريطانيا !
وقام انقلاب عبدالله السلاّل ، في اليمن / عام 1961 / فأطاح بأسرة حميد الدين ، التي حكمت اليمن ، قروناً!
وقام انقلاب القذافي، في ليبيا .. وانقلاب النميري ، في السودان / عام 1969 /.
وقام انقلاب حافظ أسد ، على رفاقه البعثيين / في سورية / عام 1970 /.
وقام انقلاب العسكر المصري ، على الحكم المدني المنتخب / عام 2013 /.
ويصعب تعداد الانقلابات ، كلّها ؛ بيدَ أنا نَذكر آخرَ انقلاب ، قام به العسكر، في السودان عام/ 2019 / على حكم البشير، الذي استلمه بانقلاب /عام 1989 /!
وهكذا .. كلما استلمت الحكمَ زمرةٌ ، اتّهمت مَن قبلَها ، بتهم تسوّغ بها انقلابها ، واستمرّت فترة ، حتى يطيح بها انقلاب جديد ! وما دامت أمريكا ، وعينُها الساهرة إسرائيل ، وعملاؤهما .. يتحكّمون ، بالمنطقة وشعوبها ، فستظلّ الانقلابات تتوالى ، وكل انقلاب يعيد الدولة ، التي يقوم بها ، إلى الوراء ، سنين طوالاً ! حتى يأذن الله بكشف الكرب ، عن هذه الأمّة ، المبتلاة بأبنائها ، قبل أعدائها !
وسوم: العدد 820