الخُلق الحسَن : بين الدهان الخفيف ، والثقيل ، والطبع الراسخ !

الدهان الخفيف : قد يَدهن المرء كلامَه ، وسلوكه مع الناس ، بمسحة خفيفة(دهان خفيف)، من الخُلق الحسَن: النبل واللطف والتهذيب ؛ ليبدو أمامهم ، على غير طبعه الحقيقي ! وذلك يكون ، عن عادة ، أو عبادة !

 العادة : قد يعتاد المرء ، على الظهور، أمام الناس ، بمظهر النبيل اللطيف ، ذي الخلق الحسن ! وقد يكون راغباً ، بشكل حقيقي ، في التعامل مع الناس ، بهذا المظهر؛ بيد أن لديه طبعاً راسخاً ، في أعماقه ، يغلبه ، في بعض الأحيان ! فإذا تعرّض لنوع خفيف ، من الأذى ، أو الاستفزاز، تحرّك ، في أعماقه ، طبعه الأصيل الراسخ ، وبدأ يُطلق ، من الألفاظ النابية ، والعبارات الفجّة ، مايتناقض مع سلوكه ، الذي يحرص ، على الظهور به ، أمام الناس ! وقد يدفعه الانفعال ، إلى العنف ، أو الهجوم ، على من يوجّه إليه ، الأذى ، أو الاستفزاز !

 العبادة : قد يكون لدى المرء ، نوع من الوعي الديني ، يدفعه ، إلى التمسّك ، ببعض مضمونات الأحاديث النبّوية ، التي تحضّ على حُسن الخلق ، وتغري به ، وترفع أصحابه ، إلى مستويات عليا ! فيحرص ، هذا الشخص ، على التمسّك ، بحسن الخلق ، حرصاً حقيقياً ، ويتعامل مع الناس ، بلطف ورفق ، وأدب جمّ ! بَيدَ أنه ، حين يتعرّض لبعض الاستفزاز، أو الإثارة ، يجد نفسه ، بغير إرادته ، قد خرج عن طوره ، ووجّه إهاناته، إلى مَن يستفزّه ، أو يستثيره ، ولو كان الاستفزاز بسيطاً ، أو كانت الاستثارة ضعيفة !

الدهان الثقيل : أمّا الدهان الثقيل ، فهو كالخفيف ، من حيث النوع ، إلاّ أنه يختلف عنه ، في الكثافة ، أو السماكة ! فإذا كان الخفيف ، تزيله حَكّة بسيطة بظُفر، فهذا الثقيل قد يحتاج ، إلى قطعة معدنية ، كالمسمار، أو مايماثله ! أيْ أنّ الاستفزاز، ينبغي أن  يكون قويّاً ، إلى حدّ ما ، أو أنّ الإثارة ، يجب أن تكون شديدة ؛ وذلك ، كي يَخرج المرء ، عن طوره ، ويترك خلقه الحسن ، إلى خلق آخر، قد يأباه ، في العادة ! وقد يكون هذا الخلق ، الذي يحرص عليه المرء ، ناجماً عن عادة ، أو يكون باعثُه ، الرغبة الحقيقية ، في التقرّب إلى الله ، بالخلق الحسن ؛ بيد أن الطبع يغلب صاحبه ، في أحيان كثيرة !

وواضح ، فيما تقدّم ، من الحديث ، عن الدهان الخفيف والثقيل ، أننا لانقصد أخلاق المنافقين ، الذين يُظهرون أخلاقاً ، ويُبطنون خلافها ؛ فالحديث عن أولئك ، له سياقات مختلفة !  

الطبع الراسخ : أمّا الطبع الراسخ النبيل ، فهو ذاك المستقرّ، في أعماق صاحبه ، والمتغلغل ، في سائر أقواله وأفعاله ! فهو ملازم لصاحبه ، أبداً ، لايفارقه ، مهما تعرّض للأذى ، أو الاستثارة ، أو الاستفزاز! وقد يكون هذا الطبع ، ناجماً ، عن تربية أصيلة ، جعلته عادة ، لديه .. أو منبعثاً ، من إيمان عميق ، يَحفظ خلقَه ، من الخلل والزلل ، مهما اشتدّ عليه الأذى ، أو الضرر ، في تعامله مع الناس !

يروى ، عن نبي الله عيسى المسيح ، أنه كان يسير، في أحد الشوارع ، وكان سفهاء يهود ، يُسمعونه كلاماً مؤذياً قاسياً، فلا يقول لهم ، إلاّ خيراً ! وقال له أحد الناس : عجبنا لك ، يانبيّ الله ؛ يُسمعونك كلاماً سيّئاً ، فما تقول لهم ، إلاّ كلاماً حسناً ! فقال المسيح : كلٌّ يُنفقُ ممّا عندَه !

وسوم: العدد 820