ما أشبه موقف الشعوب العربية بموقف قطعان البقر الوحشي المتفرجة على من يفترس منها

لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن ما يسمى بالقومية العربية محض وهم رفعه بعض الحكام الطغاة المستبدين الذين كرسوا الفساد والاستبداد في الوطن العربي،وأن هذه القومية لا تختلف عن العصبية التي كانت للعرب في جاهليتهم قبل أن يحررهم منها دين الإسلام الذي نهى عنها لنتنها  . ومعلوم أن العرب في جاهليتهم لم تكن عصبيتهم تمنع الاقتتال والتطاحن فيما بينهم بل كانت في الغالب هي سبب تطاحنهم واقتتالهم حين تضيق ،فتشعل حربا ضروسا بين حيين متجاورين من أحيائهم  أو بين قبيلين  .

ولقد أبدلهم الله عز وجل بحميتهم الجاهلية أخوة  ومودة ورحمة جعلتهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولقد ثبت عبر التاريخ أنه كلما نفخ العرب في نار العصبية والحمية الجاهلية ضعفوا وذلوا وهزموا ، وكلما تمسكوا بالأخوة الدينية قويت شوكتهم وعزوا وانتصروا .  ولقد علم ذلك أعداؤهم عبر العصور، فحرصوا على ألا تكون بينهم أخوة وأن يعيدوهم إلى ما كان عليه أسلافهم من عصبية عرقية  .

 ولم يغادر المحتل الغربي خلال القرن الماضي أرضهم التي احتلها من خليجها إلى محيطها إلا وقد عادوا كما كانوا  في جاهليتهم مزعا أشتاتا وخط لهم حدودا ، وضرب بينهم بأسلاك شائكة ، وجعلهم شعوبا وقبائل ممزعة متناحرة  بعدما كانوا أمة واحدة  وحدها الإسلام ، وسماهم بأسماء مواقعهم الجغرافية مشرقا ومغربا . وقضى بعض حكامهم زمنا طويلا ينفخون في القومية العربية علها تقرب شتات شعوبهم أو هكذا يخيل لمن صدق هؤلاء حتى تبين أنهم  إنما ينفذون أجندات المحتلين لا يزيدون عنها ولا ينقصون مقابل الاحتفاظ بمناصبهم وما تدره عليهم من ثروات وامتيازات .

ولقد غاب عن الأمة العربية وهي نواة الأمة الإسلامية  التداعي  بالسهر والحمى الذي يصيب الجسد  الواحد الذي يشتكي منه عضو، الشيء الذي يعني أنها لم تعد جسدا واحدا ، ولم تستطع القومية العربية أن تجعل منها ذلك الجسد بل جعلت منها أعضاء مبتورة عن جسدها  كل عضو يشكو ،ولا يجد من يتداعى له بالسهر والحمى.

ولقد اشتكى قلب الأمة العربية في فلسطين لأكثر من ستة عقود من الزمن ، ولم يزد تداعي  الشعوب العربية عن شجب العدو الصهيوني ، وظل هذا التداعي إن صح أن نسميه كذلك يخبو حتى انطفأت جذوته تماما ، فصار القلب يشكو وهو مضخة الوطن العربي ، ولا تصل شكواه إلى باقي الأعضاء ، ولعل ما حدث مؤخرا حين أغار العدو الصهيوني على قطاع غزة  بداية شهر الصيام يدل على اضمحلال تداعي الشعوب العربية لشكوى الشعب الفلسطيني ،وهو شيء خطط له بمكر وخبث من أجل تهيئة المناخ لتمرير ما يسمى بصفقة القرن المشئومة التي يراد بها طمس معالم فلسطين القلب النابض في الوطنة العربي .

وكشكوى الشعب الفلسطيني شكوى شعوب عربية أخرى في الشام واليمن ومصر والسودان وليبيا والجزائر ، وقد ابتليت بأنظمة شمولية فاسدة مفسدة ولم يترتب عن ذلك تداعي باقي الشعوب العربية التي لا يختلف حالها عن حال قطعان البقر الوحشي التي تتفرج على من يقع  منها ضحية السباع الضارية .

 ولقد كان من المفروض أن يتداعى العرب جميعا كلما اشتكى شعب منهم في بقعة من بقاع العالم العربي ، ولكن شيء من ذلك لم يحصل حيث اشتكى الشعب السوري من اضطهاد طاغيته، فتفرجت عليه الشعوب العربية ، ولم تقف حتى دقيقة صمت على قتلاه ، واشتكى الشعب المصري من جبروت طاغيته ولم تحرك الشعوب العربية ساكنا، وظلت تتفرج عليه وأبناؤه يقتلون ويسجنون ويعذبون أشد العذاب ، واشتكى الشعب اليمني من ظلم طاغوته ،فتسلطت عليه طواغيت أخرى، فدمرت أرضه وأهلكت حرثه ونسله وعمرانه ،ولم تتداع لذلك الشعوب العربية ولم تبارح  موقف التفرج عليه وهو يباد إبادة جماعية ، واشتكى الشعب الليبي من طاغوت يريد أن يحل محل الطاغوت الهالك ، ولم تتداعى له الشعوب العربية ، واشتكى الشعبان السوداني والجزائري من محاولة حلول طواغيت جدد محل آخرين زالوا أو هكذا يخيل إليهما دون أن تتداعى الشعوب العربية لذلك وهي تتفرج وتجتر كما يجتر البقر الوحشي وبعضه تمزقه السباع تمزيقا .

ولقد كان من المفروض أن تموج الشعوب العربية من خليجها إلى محيطها متداعية لشكاوى بعضها لتعبر بذلك على أنها بالفعل كالجسد الواحد كما أراد لها الإسلام ،ولم ترده لها القومية أو العصبية العرقية ولا الأعداء .

ومعلوم أن أعداء الأمة العربية وهي أمة مسلمة قبل كل تصنيف وتعريف لا يقبلون بفكرة الجسد الواحد ، ومن ثم لا يقبلون بتمسك هذه الأمة بما يجعل منها جسدا واحد حتى لا يقع شيء من التداعي ، ولهذا يواجه الإسلام أكبر مؤامرة صليبية صهيونية شرسة لمنع حصول ذلك الجسد الواحد المتناغم الأعضاء .

إنه لا يكفي أن تنحي الشعوب العربية باللوم على أنظمتها ، فهي تستوجب أيضا اللوم لخذلان بعضها البعض . وأيما شعب عربي مسلم تفرج  اليوم على أشقائه وهم يعانون ويشكون ،سيأتي  غدا دوره ،فيشكو هو الآخر وسيتفرج عليه أشقاؤه.

فمتى ستتخلص الشعوب العربية من وضعية قطعان البقر الوحشي التي تأكل السباع ما تطرف منها، وهي إما مهرولة فارة أو متفرجة تجتر وكأن شيئا لا يحدث ؟   

وسوم: العدد 824