ليبرمان الهارب من غزة.. يعود بصوت مرتفع
قبل نحو نصف عام من الآن، استقال وزير الجيش الصهيوني السابق، وزعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، من منصبه على خلفية الفشل الذي منيت به دولته في تعاملها مع قطاع غزة، وما أن استقال ليبرمان حتى فتح فمه وبصوت مرتفع، معلناً فشله في التعاطي مع ملف غزة، ومُشيراً أنّ سبب فشله مرتبط بالقيودات التي وُضعت عليه كوزير للجيش.
يُذكر أنّ ليبرمان وقبل تسلمه منصبه في الوزارة، كان قد تعهد للجمهور الإسرائيلي، باغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية خلال 48 ساعة، الأمر الذي لم يحصل، حيث خرج ليبرمان دون الوفاء بوعده، الذي قلبه لأضحوكة خصومه، واللذين حاولوا بطريقة أخرى، التقليل من ليبرمان وتهديد هنية، عندما رفع نفتالي بنت شعاره الانتخابي، تحت عنوان "دير بالك هنية أنا مش ليبرمان"، ليجد نفسه هو الآخر خارج الحلبة السياسية ككل، بعد فشله في الانتخابات الأخيرة.
اليوم يُصرح ليبرمان، أنّ صاروخ من غزة إلى تل أبيب، يستوجب مسح مدينة غزة عن بكرة أبيها، وللأمانة أنّ هذا التصريح يبعث على الضحك، ويُعيد في مخيلة الباحث، ما كان يقرأه ويسمعه عمن هم بمثابة أباطرة الأمن الإسرائيلي بالمقارنة مع ليبرمان، وللتذكير لا للحصر، فقد تمنى إسحاق رابين أن يبتلع البحر غزة، وانسحب ارئيل شارون منها، بعد أن كان يعتبر أنّ نتساريم توازي تل ابيب في فكره وعقيدته.
ليبرمان يسعى من خلال تصريحاته النارية، إلى محو الصورة الانهزامية التي خرج حينما استقال، وتأكيد صقوريته التي باتت تنقشع عن بنيامين نتنياهو، ولكن في ظل الحديث عن مفاوضات ائتلافية حكومية صعبة، فإنّه يُمكن استنباط ما يلي من تصريحات افيجدور ليبرمان:
أولاً: يسعى ليبرمان لتحسين شروطه التفاوضية، وفي الوقت الذي يُركز على الأمن، وعلى ضرورة تعديل قانون التجنيد، فإنّ وزارة الهجرة والاستيعاب واجراء تعديلات عليها لا تقل أهمية عند الرجل، الذي يتمتع بشعبية كبيرة عند الروس، وعملياً يضمن غالبية أصواتهم الانتخابية، لذى فمن حظه المناورة حتى الدقيقة 90 ومرمرة نتنياهو كما يحلو للبعض تسمية ذلك.
ثانياً: رغم أنّ ليبرمان أشار أنّه يُمكن الذهاب لإعادة الانتخابات في حال فشل المفاوضات الائتلافية، لكنّه قد يكون الأخير الذي يرغب بذلك، لأن ذلك قد يعني عودة نفتالي بنت وايلات شاكيد، عدواه اللدودان، والأهم من ذلك أنّ ذلك قد يفقده أن يكون بيضة القبان في الحكومة المقبلة، وأن يتم تشكيل حكومة يمينية ائتلافيه بدونه.
ثالثاً: في ظل التوليفة البرلمانية الحالية، فإنّ ليبرمان قد يشعر بعقدة نقص مقابل نتنياهو، لكنّه لن يقبل أن يكون كذلك تجاه الآخرين، بمعنى أنّه في المُعطيات الحالية، ورغم أنّ حزبه يمتلك فقط 5 مقاعد، فإنّه يُدرك أنّه سيكون الرجل الثاني في حكومة نتنياهو، لكنه لن يكون كذلك في حكومة يقودها تيار الوسط، الذي غازل أحد اقطابه يائير لبيد ليبرمان، داعياً ايّاه لحكومة مركز.
شعور ليبرمان أنّه بيضة القبان الوحيدة الحقيقة، يدفعه لرد الصاع صاعين لبنيامين نتنياهو، لكنّ الحقيقة تُشير أنّ ليبرمان لم يخرج من تحت عباءة نتنياهو منذ العام 2009، وقبل ذلك عندما عمل مديراً لمكتبه خلال ولايته الأولى في تسعينات القرن الماضي.
هذه التصريحات ليست سوى وسيلة ضغط لتحسين شروط انتخابية، ولو استطاع ليبرمان حلّ مشكلة غزة، لكان أول من سيقبل أقدامه قبل يديه بنيامين نتنياهو، لكن الكل في "إسرائيل" مدرك، أنّ غزة التي تئن تحت الحصار، والتي تُعاني في اتجاهات عدّة، باتت هي الساحة الوحيدة التي تؤلم الاحتلال، والتي كلّما تمادى الاحتلال في عدوانه، كان ردّها موازٍ لسلوك الاحتلال وأزيد.
لن تكون مهمة ليبرمان الذي قد يعود إلى وزارة الجيش سهلة، ولربما إن كان مكث في الحكومة السابقة وزيراً للجيش مدّة تزيد عن العامين، قد يجد نفسه هذه المرة خارج أسوارها في أقل من ذلك.
لكن ما يُمكن تأكيده، أنّ الاحتلال أمام مأزقه في غزة، والذي لا زال يسلك تجاهها إدارة الصراع لا حسمه، سيجد نفسه أمام خيارين حقيقيين قريباً، إمّا حربٌ ضروس، لا يُمكن للاحتلال تقييم تبعاتها، وإمّا تفاهمات تقود لفترة من الهدوء، لكن الذي سيكون أوضح من كل ذلك، أنّ ليبرمان الذي يُصعّد اعلامياً، سيكون الأكثر ميلاً إلى الهدوء، وإلى الاستماع لصوت الأمن الأكثر عقلانية!
وسوم: العدد 825