ملحمة "كفر نبودة" كسر عظم للغزاة الروس ومقبرة لشبيحة النظام

بالرغم من مئات الغارات الجوية الروسية التي أرادت حرق الأرض من حول الثوار وعمق تواجدهم وتحطيم معنوياتهم، وهم يرون القاذفات الروسية الباغية تدمر مدنهم وقراهم وتقتل أطفالهم ونساءهم وشيوخهم، في مقابل التصميم والإرادة والإقدام والشجاعة والصمود الأسطوري، الذي جعلهم يطلبون الموت من أجل الحياة، فقد تحولت فصائل الثوار من وضعية الدفاع إلى الهجوم وتطويره، مما مهد عمليا قيام الثوار، بغض النظر عن المسميات والتشكيلات فالكل يتبع غرفة عمليات واحدة، ويتلقى الأوامر من قيادة واحدة، بالهجوم على محور كفر نبودة رغم صغر حجم البلدة، مع اغتنام ثلاث دبابات و"بي ام بي" وشيلكا و16 صاروخ مضاد للدروع وذخائر متنوعة، كما نشر فيديو لضابط من ميليشيا النمر يدعى العقيد عبد الكريم السليمان أسيراً بيد الثوار، إضافة إلى مقتل المئات من عناصر الفرقة الرابعة وقوات النمر ومرتزقة الغزاة الروس، وهذا ما رفع معنويات الثوار وجعلهم يأخذون وضعًا دفاعيًّا مستميتًا، في إطار خطة أوسع نسبيًّا، تقوم على المبادأة والمبادرة في الهجوم بفتح محاور قتالية جديدة نحو قرية المغيّر لتأمين "كفرنبودة" وقلعة المضيق، من خلال السيطرة على مثلث الدفاع عن السقيلبية "المغيّر وبريديج وكرناز" وهذه المنطقة تسمى جغرافياً الطار الغربي وهي فاصلة بين المناطق المحررة والساحل السوري، والمحور الآخر حرش الكركات، تتمترس به فصائل الثوار، للحؤول دون اختراق روسي لسهل الغاب، حيث لم يعد التقدم ممكنًا، بعد توغل فصائل المعارضة باتجاه المغيّر إثر استعادتها لبلدة كفرنبودة، وصولا إلى وضع قد تحدثه تحولات داخلية وإقليمية، تخدم موقف الفصائل، وتُعلِي من رصيدهم العسكري، وبالأخص إن تحرك المجتمع الدولي بعد استخدام ميليشيات النظام الأسلحة الكيماوية في قمّة " الكبانة".

لقد تمكنت فصائل الثورة في معركة كفر نبودة من التعامل مع التحولات الطارئة بقدر كبير من المرونة والانتقال من استراتيجية إلى أخرى، وأحيانا الجمع بين عدد من الاستراتيجيات لمواجهة روسيا التي تتفوق في القوى الجوية وغزارة النيران والوسائل العسكرية المتعددة ومختلف الإمكانيات اللوجستية. واستغلت الفصائل الكثير من الخطط الروسية، مما مكنهم من استنزاف الميليشيات التابعة لها، وإنهاك القوى الجوية الروسية التي تجاوزت طلعاتها الألف منذ بدء المعركة، ولكن يتوقف تأثير استراتيجية الثوار في مسار المعركة الجارية على مدى قدرتهم في التشبث بالأرض التي استعادوها، وتعزيز قدراتهم العسكرية بالقدر الذي يمنحهم الصمود أكثر، والمبادأة بالتوغل باتجاه المحاور الواصلة إلى السقيلبية، للحفاظ على مكتسباتهم العسكرية الأخيرة، ونقل المعارك إلى حاضنة النظام، ولعل هذه المعركة فرصة لتجاوز فصائل الثوار كافة الخلافات فيما بينها، وفي أقرب وقت، للانتقال إلى معارك التحرير وإجبار الغزاة الروس على الالتزام باتفاقيات خفض التصعيد التي وقعوها مع تركيا، والالتزام بعدم التقدم نحو المناطق العازلة بين النظام وفصائل الثوار.

وإذا ما اضطر الثوار إلى إخلاء كفرنبودة بفعل كثافة النيران العدوة وسياسة الأرض المحروقة التي يستخدما الغزاة الروس، فهذا لا يعني الهزيمة إنما الانسحاب التكتيكي الذي يتبعه هجوم معاكس لاستعادتها وتكبيد الغزاة الروس وميليشيات الأسد الكثير من الخسائر في الأرواح والأسلحة كما سبق وفعلت في الأيام الماضية، وإنهاك العدو حتى يرضخ ويلتزم بالاتفاقيات التي وقعها.

وسوم: العدد 826