الأُسَر السورية المنكوبة ، وصالات الأعراس ، والغناء في المآتم !

اقترحتُ من سنين ، أن تحوّل أجورُ صالات الأعراس ، إلى المنكوبين في الشام ، واستجاب بعض الفضلاء ، وما زال الاقتراح قائماً !

النسَق الزئبقي السوري ، تَحكمه احتلالات عدّة ، ولايملك المخلصون ، من أبنائه ، سوى التوادّ والتعاطف والتراحم بينهم.. فهل هم فاعلون؟

في الحديث الشريف :

 )مَثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد،إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد ، بالسهر والحمّى)!

أهذا الحديث للتطبيق ، بين المؤمنين؟

أهو لليهود والنصارى ، والمجوس والمشركين والملاحدة ؟

قبل سنين طويلة ، أصدر الشاعر السوري المبدع ، عمر أبو ريشة ، ديواناً شعرياً ، بعنوان : غنّيتُ في مأتَمي !

فهل جاءت هذه التسمية عبثاً ، من قبل الشاعر؟

وهل جاءت ، على سبيل اللهو بالألفاظ ، المتضادّة المعاني ؟

أم جاءت ، تعبيراً عن ألم ممضّ ، يحرق الكبد ، قبل أن يحرق الأوراق ، التي تكتب فيها الكلمات ؟

كانت الأسر السورية ، تتجنّب إظهار الفرح والبهجة ، عبر الزغاريد والطبول ، وعبر الرقص والغناء .. إذا أرادت إقامة عرس ، لأحد أفرادها ، وإلى جوارها أسرة مفجوعة ، بفقد عزيز؛ وذلك احتراماً لمشاعر الأسرة ، وإظهاراً لنوع من التعاطف ، مع مأساتها !

اليوم ، الأسر المشرّدة ، عن بلادها ، تتسابق ، إلى استئجار صالات الأعراس ، وإلى دفع أجور باهظة ، لأصحاب هذه الصالات ، وهي ترى الملايين ، من أبناء شعبها ، من أهل وأقارب وجيران .. مشرّدين ، في الفيافي والقفار والغابات .. لا يملكون ، من ضروريات الحياة ، أيّ شيء ، على الأطلاق ، وهم يبحثون ، عن لقمة الطعام ، في الحاويات ، ويأكلون الأعشاب ، في البراري ؛ كيلا يهلكوا جوعاً !

ولا يملكون ثمن جرعة الدواء ، لمريض مدنف ، هو في أمسّ الحاجة ، إليها !

ولا يملكون غطاء ، يقي جسد أحدهم ، من البرد ، سواء أكان مريضاً ، أم شيخاً ، أم طفلاً !

وحين يذكّر أحد أصحاب الأعراس ، بهؤلاء ، وهو يرقص ، في صالة الفرح ، يقول ببساطة : الحياة يجب أن تستمرّ!

وإذا ذكّرته ، بأن الحياة تستمرّ، بشكل أفضل ، ممّا هي عليه ؛ لو أنه عطف ، على أهل بلده، المحتاجين إلى نقوده .. يقول ، ببساطة : أنا أرغب ، بتحويل أجرة الصالة ، إلى البائسين ، لكن الآخرين يرفضون !

وإذا سألته ، عن الآخرين ، أحال الأمر إلى أهله ، إذا كان العرس لابنه .. أو إلى أهل العروس، الذين قد يرفضون الفكرة ، من أساسها !

وربما أجاب بعضهم ، بأنه يرسل أموالاً ، إلى المحتاجين ، من أهله وأقاربه .. وأن أجرة الصالة، لا تعيقه ، عن إرسال المعونات ، إلى المحتاجين ، من هؤلاء !

وبعض أصحاب الأعراس ، هؤلاء ، قد ينسى معانى التوادّ والتعاطف والتراحم ، بين المسلمين ، أو يغفل ، عن كون هذه الأمور، نفسية قلبية ، بالدرجة الأولى ، قبل أن تكون مالية ! وقد ينسى أن الرقص ، في أثناء مآتم الآخرين ، من أبناء شعبه المنكوب ، هو مناقض ، لمعنى الحديث الشريف ، عن التوادّ والتعاطف والتراحم !

فماذا يعني هذا ، كلّه ؟ أيعني أن أهل الشام ، عامّة ، أصيبوا بعاهات نفسية ، أو عقلية ؛ نتيجة للمصائب ، التي عانوا منها، في ظلال القلق المتواصل ، والقهر المزمن، والرعب الجاثم على الصدور، من سنين طويلة !؟

وإذا كانت هذه المظاهر؛ مظاهر عدم الاكتراث، بمصائب الأهل والجيران، قد أصابت الكثيرين، من أبناء الشام ، بأمراض نفسية أو عقلية .. فهل أصيب الجميع ، بهذا ، ولم يعد ثمّة أصحّاء: في قلوبهم ، وعقولهم ، ونفسياتهم !؟

وإذا كانت مثل هذه الأمور، تحتاج إلى مبادِرين ، يكون كلّ منهم ، في موقعه ، قدوة لغيره ، في الخير.. فهل انقرضَ هذا النوع ، من الرجال والنساء ، الذين يبادر أحدهم ، إلى أن يكون قدوة لغيره : في الخير، وفي المروءة ، وفي الإحساس، بمآسي الأهل والأقارب، والمعارف والجيران!؟

نجزم ، أن هذا الطراز من الناس ، لم ينقرض .. لكنّ الذكرى تنفع المؤمنين !

وأخيراً : لا بدّ ، من التذكير، بأن ما أصاب أهل الشام ، من مآسٍ ومصائب ، قد أصاب شعوباً عربية عدّة ، حالها كحال أهل الشام ، من حيث الحاجة إلى : التوادّ والتعاطف والتراحم ! وإذا غفل المؤمنون ، حتّى عن تطبيق معاني هذا الحديث النبويّ ، على أنفسهم ؛ فليذوقوا وَبالَ أمرِهم , ولا يصبّوا لومهم ، على أعدائهم ، خارج بلادهم وداخلها !

وسوم: العدد 826