الضعضعة
أدب وسياسة:
وأجمل نص أدبي وردت فيه كلمة الضعضعة في معجم آداب العرب الذي أحفظه ، حتى لا أضيق واسعا ، قول أبي ذؤيب الهذلي في رثاء أولاده السبعة وقد ذهبوا إلى بلاد بعيدة فهلكوا بطاعون وقع فيها ..
فقال عينيته الرائعة التي مطلعها :
أمن المنون وريبها تتوجع .. والدهر ليس بمعتب من يجزع
عينية تستدر ماء العيون من أروع المراثي العربية على الإطلاق . ورغم أنه يطنب في شرح ما يعيشه من ألم فقد ، وحسرة وحزن ويؤكد إيمانه بقوله :
وإذا المنية أنشبت أظفارها .. ألفيت كل تميمة لا تنفع
ثم يثوب إلى نفسه ليتماسك ويتجلد ويتصبر:
وتجلدي للشامتين أريهمُ .. أني لريب الدهر لا أتضعضع
وفي فقه اللغة حين يكرر العربي الثنائي فيجعل منه فعلا رباعيا فإنه يضيف إلى المعنى الأصلي معنى الديمومة والاستمرار والامتداد الزمني ..
مثل زلزل .. ودمدم ,, وصلصل .. وجلجل .. وضعضع ..
يتضعضع الجبل بهزة بعد هزة . ويحدث الزلزال بزلة بعد زلة ..
وقصيدة أبي ذؤيب الهذلي هذه فضاء واسع تحتاج إلى وقفة طويلة ولا سيما وهو يخبرك مرة بعد مرة أن الدهر لا يبقى على حدثانه لا وعل أعصم ، ولا ثور في عانته ولا فارس كمي مقنع في درعه في صور فنية جميلة من حياة البادية العربية ..
حديثنا اليوم سيقتصر على مفهوم الضعضعة حين يسطو على النفس البشرية فيجد الإنسان نفسه مشتتا واهنا ضعيفا غير قادر على استجماع أمره ، ولا تركيز فعله. ويجد نفسه غير قادر على أن ينشد مع الصدق وبغير ادعاء بيت أبي ذؤيب :
وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع
الأخبار الواردة عن الأهل والوطن . أشلاء الأطفال المبعثرة . وجوههم الخارجة من تحت الأنقاض . صور اللاجيئن واللاجئات المبعثرين تحت شجر الزيتون . فجور التصريحات الروسية . صمت العالم وموت الإنسان . وانكشاف ما سمي خداعا القانون الدولي في الغابة . والهرطقة والتجديف بمواثيق وعهود حقوق الإنسان ..
قديما قالوا :
وأقتل شيء رؤية العين ظالما .. يسيء ويتلى في المجامع حمده ..!!
بالأمس كان صوت بشار الجعفري يلعلعن على منبر مجلس الأمن في عالم متحضر وكان صوت غرغرة الطفل المخنوق بدوي الطائرات الروسية ضائعا لا أحد يريد أن يسمعه ..
بكل الصراحة الفاجعة أقول عن نفسي ولا ألزم بقولي أحدا :
حّق للنفوس أن تتضعضع . وحُق للقلوب أن تتفطر . وحُق للسوريين أن يعلنوا موت الإنسان ..
وحُق للشامين أن يشمتوا ..
وحقنا أن نلوي ونحن نقول :
وقل للشامتين بنا أفيقوا .. سيلقى الشامتون كما لقينا
وإن بعد اليوم غدا ..
وإن بعد العسر يسرا ..
إن بعد العسر يسرا ...
الله أكبر..
وسوم: العدد 826