السنوات الخدّاعات : في السياسة ، خاصّة .. وفي الحياة ، عامّة !
عن النبيّ ، صلى الله عليه وسلم ، قال:(سيأتي على الناس سنوات خدّاعات ، يُصدّق فيها الكاذبُ ، ويُكذّب فيها الصادقُ ، ويؤتمَن فيها الخائنُ ، ويُخوّن فيها الأمينُ ، ويَنطق فيها الرُوَيبضَة) ! قيل : وما الرويبضة ، يارسول الله ؟ قال : (الرجل التافه ، ينطق قي أمر العامّة)!
السنوات الخدّاعات : أهي الخدّاعات ، أم أهلها ؟ واضح أن الخِداع ، إنما يمارسه الناس ، الذين يعيشون ، في تلك السنوات ؛ فهي مجرّد زمن يَمرّ، يتقلّب فيه الليل والنهار، ولا يمارس شيئاً ، من أعمال البشر، ولا يتّصف بأيّ من صفاتهم!
وقد قال الشاعر ، قبل سنين طويلة :
وَنَهجو ذا الزَمانِ ، بِغَيرِ ذَنبٍ *** وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا ، هَجانا
وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ *** وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً ، عَيانا
لكن الخداع نُسب إلى السنوات ، لكثرة ما يُمارس فيها الناس ، من الخداع ، بأنواعه المذكورة في الحديث !
أنواع الخداع :
يُصدّق فيها الكاذب .. ويُكذّب فيها الصادق !
هذا يدلّ ، على خلل عامّ ، في أخلاق البشر، وفي مؤهّلاتهم العقلية ! فلو كان الكَذَبة ، من النوع العادي ؛ من حيث عددهم ، بين الناس..ولوكان أكثر الناس أسوياء، من حيث ملكاتهم العقلية ؛ لما انتشر تصديق الكذبة بينهم ، إلى درجة أن يكونوا ، هم الصادقين ، وهم الذين يَلتمس عندَهم ، أكثرُ الناس ، الصدقَ !
وإذا صُدّق الكاذب ؛ نتيجة للخلل ، الذي يصيب أخلاق الناس ، ومؤهّلاتهم العقلية ؛ فليس غريباً ، أن يُكذّب الصادق ؛ بل من الطبيعي ، أن يحدث هذا !
يؤتمَن فيها الخائن .. ويُخوّن فيها الأمين !
وإذا شُوّهت أخلاق الناس ، وضعفت مروءاتهم ، أو انعدمت ؛ فمن الطبيعي ، أيضاً ، أن يكون الخائن ، هو، محلّ ثقتهم ، وأن يكون الأمين ، هو ، موضع الريبة ، لديهم !
أمّا الظروف ، التي تَفرض على الناس ، هذا الخلل : في المؤهّلات العقلية ، وفي الأخلاق الأساسية ؛ فهي ، اليوم ، واضحة ، لكثير من العقلاء ! وقد تأتي أيّام ، تتضح ، فيها ، للأكثرية الساحقة ، من البشر! ذلك ؛ أن وسائل الإعلام ، التي شيطنَتْها الجهات المشرفة عليها، تأتي ، كلّ يوم ، ببِدع جديد ، من صنوف العبث ، بعقول البشر، ونفسياتهم ، وأخلاقهم !
(5) يَنطق فيها الرويبضة (الرجل التافه ، ينطق في أمر العامّة )!
أمّا الرويبضة ، الذي ينطق بأمر العامّة ، فقد يكون نتيجة ، لإفساد عقول الناس وأخلاقهم .. وقد يكون سبباً لذلك ، وقد يكون سبباً ونتيجة ، في الوقت ذاته ! وقد عرفت المجتمعات البشرية، هذا النوع من الرويبضات ، عبر أزمنة متعاقبة ! إلاّ أنها لم تعرف كثرة للرويبضات ، كالذي تراه اليوم! والأسباب كثيرة ، منها: الخلل الخلقي المذكور، آنفاً، ومنها الخلل في المؤهّلات العقلية!
وحسبُنا ، أن نضرب مثلاً بسيطاً ، لذلك ، فنقول : إن عسكرياً جاهلاً ، أو ساقطاً ، يستولي على السلطة في بلاده ، بمساعدة بعض الجهلة والساقطين ، من أمثاله ، كفيل ، بأن يفرض ، على الملايين من شعبه ، أخلاق السوء ، ويثيب فاعليها ، مادّياً ومعنوياً ، كما يحارب الأخلاق الحميدة ، من صدق وأمانة وغيرهما ، ويعاقب عليها ، مَن يتمسّك بها ! وما أكثر مايرى الناس، اليوم ، هذا ، في مناطق متعدّدة من العالم !
وسوم: العدد 828