التنوّع الثقافي ، في المجتمع الواحد المتجانس : ما المقصود به ، ومنه ؟
ورد في الحديث : أن عمر بن الخطاب ، أتى النبيّ بكتاب ، أصابه من بعض أهل الكتاب ، فقرأه ، فغضب النبيّ ، فقال : أمُتهَوّكون فيها ، يا ابن الخطاب ؟ والذي نفسي بيده ، لقد جئتكم بها ، بيضاء نقية ! لا تسألوهم عن شيء ، فيخبروكم بحقّ ، فتكذّبوا به ، أو بباطل ، فتصدّقوا به ! والذي نفسي بيده ، لو أن موسى كان حيّاً، ماوَسعَه إلاّ أن يتبعني !
ومعنى متهوّكون : متحيّرون !
عودة إلى القاعدة الفكرية ، للمفكّر الفرنسي ، جوستاف لوبون ، التي يؤكّد فيها : أنّ العقيدة روح الأمّة ، منها تنبثق : أخلاق الأمّة وآدابها ، وعاداتها وتقاليدها ، وفلسفاتها وتشريعاتها ، وتاريخها وقوانينها..!
وهنا، لابدّ من وقفة متأنّية ، توضح مايلي :
المجتمعات ، عامّة ، تهيمن عليها ثقافة واحدة ، لطول المعايشة ، ورسوخ العادات في النفوس!
العقيدة الواحدة المشتركة ، عامل توحيد أساسي، بين الناس، من حيث العادات والقيم والأخلاق!
دخول ثقافات متنوّعة متعدّدة ، إلى أيّ مجتمع ، عامل أساسيّ ، في تفتيته : فكرياً ، وثقافياً، واجتماعياً ، وسياسياً .. إذا لم تُضبط عملية الاختلاط الثقافي ، بضوابط قويّة ! فلا بأس ، من حيث المبدأ ، في الاطّلاع ، على بعض ثقافات الآخرين وآدابهم ، لكن بحذر؛ كيلا تُفسد الثقافاتُ الوافدة ، عقول الناشئة، أو عقائد بعض الشباب، الذين لم تترسّخ ، في قلوبهم وعقولهم، أساسيات عقيدتهم وشريعتهم وأخلاقهم !
الثقافات المتنوّعة ، الدخيلة على عقيدة أمّتنا ، أدّت إلى : نشوء أحزاب سياسية مختلفة ، بعيدة عن عقيدة الأمّة ، وإلى استغلال هذه الأحزاب ، من قبل الخارجين على عقيدة الأمّة ، والمعادين لها ؛ فهيمن هؤلاء : سياسياً وعسكرياً ، على بعض الدول ، وحكموا الشعوب ، بما يخالف عقيدتها !
وأخيراً : لا بدّ ، من الإشارة ، إلى أن تنوّع الآراء والاجتهادات ، المستنبَطة من منبع واحد ، أو عقيدة واحدة -كما تنوّعت آراء الصحابة والتابعين والفقهاء ، في بعض المسائل الفقهية- .. يختلف ، عن تنوّع المنابع ، أو العقائد ، كما يختلف ، عن تنوّع الآراء والاجتهادات ، المستنبطة من منابع متعدّدة ، ومن عقائد متعدّدة ، كالعقائد : اليهودية والنصرانية ، والرافضية ، والوثنية، بأنواعها!
كان المبشّرون النصارى ، يحرصون، على تنصير المسلمين، قبل الغزو الاستعماري النصراني؛ لأن المتنصّر يكون جندياً ، للغزاة النصارى ، بعد أن يصبح من ملّتهم !
والإيرانيون الرافضة ، يحرصون على تشييع المسلمين ؛ لأن المتشيّع يخدم أسياده الفرس ، على حساب أبناء قومه وملّته !
والغريب ؛ أن حكّام المسلمين ، لا يَعدّون أمن العقائد والافكار، من الأمن الشامل ؛ مع أن الغزو العقَدي ، أخطر، على أنظمة حكمهم ، من أيّ غزو آخر!
وسوم: العدد 828