فقال الرجل لسيدنا رسول الله صلى الله وسلم عليه : " أن كان ابن عمتك "
أدب وسياسة :
فقال الرجل لسيدنا رسول الله صلى الله وسلم عليه :
" أن كان ابن عمتك "
والرواية في صحيح مسلم . وفي الحديث أبواب من الفقه كثيرة . شرحها الشراح ، وتكلم فيها العلماء ، واستنبطوا منها الأحكام .
وأصل الرواية أن رجلا من أهل المدينة اختلف مع سيدنا الزبير في ماء السقيا . حيث كان لسيدنا الزبير أرض يمر عليها ماء السقيا قبل أن تصير إلى أرض الرجل . فاحتكما إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه مراعيا حال الرجل متلطفا به ، ويمون في الحكم على سيدنا الزبير كما نقول في هذا الزمان . ومع ذلك فلم يعجب الحكمُ الرجلَ ؛ فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : أن كان ابنَ عمتك . أي لأن خصمي ابن عمتك حكمت هذا الحكمَ الجائر ؟! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأعاد الحكم بالحق الصريح المجرد ..
في الرواية أن هذه الواقعة كانت سببا لنزول قوله تعالى (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ).
ويعلمنا الموقف بكل ما يحمل إلينا من حجم الألم والمعاناة ومن الجرأة العجيبة على مقام النبوة تصدر من رجل من المسلمين بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حد اتهامه بالتحيز والمحاباة عن طبيعة بعض النفوس البشرية في غلبة الشح والضيق والجهل وسوء التقدير عليها .
فهذا الرجل الذي غلبه شحه ، وسوء فهمه ، وسوء تقديره ؛ لم يفهم أصلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاباه - ليس حيفا بحق الزبير وإنما نوعا من الموانة عليه - فأبى الكرامة التي أكرمه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد على الإكرام بالاتهام والانتقاد هو أنموذج مكرور لبعض الذين تكون آفتهم فهم سقيم ، ولسان سليط ، وقليل من التربية التي تحجز صاحبها عن التجاوز في حقوق الآخرين ..
في موقف آخر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بعض الغنائم بين أصحابه فقال له رجل يدعى " ذو الخويصرة " اعدل فما أراك تعدل سائر اليوم ؛ ويرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويحك فمن يعدل إن لم لأعدل ؟! ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله أخي موسى فقد أوذي أكثر من ذلك فصبر .
" رحم الله أخي موسى فقد أوذي أكثر من ذلك فصبر " هي الكلمة التي يجب أن تظل شعار الدعاة والمربين والعلماء العاملين في إعلاء سنن الحق ، والجهر بكلمته . وكما لا يجوز أن يرهبنا سلطان المستبدين والطغاة والمتنفذين فكذا لا يجوز أن ترهبنا سطوة أهل العرامة والجهل وسوء الفهم وخفيفي الأحلام الذين لم يتلقوا في محاضن تربيتهم من التأديب والتعليم والتفقيه ما يقتضيه الموقف ليكون الإنسان في موقعه المناسب عندما تلتقي المجامع وتتاح له فرصة الكلام بحق أو بباطل...
وإن الامتناع عن الجهر بالحق خوفا من سطوة أهل الخفة والحماقة هؤلاء لا يقل إثما ومفسدة عن السكوت عن ظلم الظالمين واستبداد المستبدين .
في واقعة ثالثة يعرض رجل من أهل الغباء والفدامة والجهل هؤلاء لسيدنا علي رضي الله عنه وهو في صلاة الفجر يريد انتقاده وتقريعه فرفع صوته والناس في صلاتهم وسيدنا علي في محرابه بقوله تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) فأي جرأة هذه ؟ وأي فجور هذا ؟! في توجيه مثل هذا الكلام لسيدنا على والناس في صلاتهم وسيدنا علي في محرابه !! ويستمع سيدنا علي للرجل ، فيرد عليه وهو في المحراب : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ).
لا يمكن لدعاة الحق القائمين عليه أن يصمتوا ويتركوا الكلمة لتكون لضعاف الإيمان عديمي اليقين ..
ويجب أن لا يمل دعاة الحق القائمين عليه من أن يقولوا لكل قائل بالجهل : وكل بيمينك وكل مما يليك . (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ).
وسوم: العدد 828