تهافت أطروحات الطوابير الخامسة العلمانية في البلاد الإسلامية
من تداعيات ثورات وحراكات الربيع العربي تنامي التيار العلماني في شكل طوابير خامسة مستأجرة داخل الوطن العربي ، والسبب في ذلك هو أن الشعوب العربية أظهرت رهانها خلال ربيعها على الإسلام للتخلص من فساد أنظمة مستبدة لم يتحلحل بسببها الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي ظل مهيمنا في البلاد العربية منذ جلاء أشكال الاحتلال الغربي لهذه البلاد ، ومنذ النكبة وما تلاها من نكسات متتالية .
ومعلوم أن الغرب المتوجس من الإسلام تحرك على مستويين من أجل تيئيس الشعوب العربية من رهانها عليه ، فعلى المستوى الأول نزل بثقله لدعم الأنظمة العربية الفاسدة التي ظل يعول عليها لعقود كي تكبل إرادة الشعوب العربية وتبقيها على الهامش ريثما يستتب الأمر للكيان الصهيوني المحتل الذي استنبت في قلب الوطن العربي ليتحول شيئا فشيء إلى سرطان خبيث لن يتوقف عن ابتلاع المزيد من أراضيه، وعلى المستوى الأخر حرك طوابيره العلمانية الخامسة التي صارت مكشوفة بعدما كانت مندسة لتدفع في اتجاه التشكيك في رهان الشعوب العربية على الإسلام للتخلص من الوضعية المزرية التي تعاني منها لعقود طالت .
وهكذا صار التيار العلماني في الوطن العربي يخوض مؤامرة مفضوحة ضد الإسلام نيابة عن الغرب العلماني الذي يحركه ويملي عليه ما يريده من نيل منه.
ومعلوم أن الأطروحات العلمانية التي كان لها ما بررها في الغرب ، والذي وفر لها المناخ المناسب لتنمو وتترعرع وتسود، لا مبرر لها في بلاد الإسلام نظرا لاختلاف الوضع في الغرب يوم اختار العلمانية عن الوضع في الوطن الإسلامي.
ومعلوم أيضا أن العلمانية حسب أهلها في الغرب موروث فكري إغريقي بدأ عند الفيلسوف أبيقون ،وانتهى إلى فلاسفة ومفكري ما يسمى بعصر الأنوار أمثال باروخ ، وفولتير ، وديدرو ، وجون لوك ، وسبينوزا ، وراسل ، وتوماس بين ، وجفرسون ،وجيمس ماديسون ...وهو عصر حل محل عصر هيمنة الكنيسة والذي دام لقرون عرفت استبداد ما يسمى بطبقة الإكليروس التي استأثرت بالأموال والخيرات عن طريق استغلال الدين وبيع ما يسمى بالصكوك الغفرانية ، و بيع المناصب، و قد اقتطعت لنفسها الإقطاعات الواسعة باسم الوصاية على الصليب ، فأغنت الغنى الفاحش الشيء الذي جر عليها نقمة الشعوب الأوروبية والتي وجدت في فكرة العلمانية ضالتها للتخلص من استبدادها خصوصا وأنها اضطهدت كل من كان يعارضها من علماء ومفكرين.
والعلمانية أو اللادينية أو اللائكية كما يقر بتسميتها أهلها في الغرب تقوم على أساس فكرة فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية أو بالعبارة المشهورة فصل الدين عن الدولة . ودائما حسب تعريف أهلها في الغرب هي حركة اجتماعية هدفها الاهتمام بالشؤون الدنيوية للناس بدل الشؤون الأخروية بحيث تحقق رفاهيتهم في الحياة الدنيا خلاف ما يدعو إليه الدين من رفاهية أخروية ، وبعبارة أخرى فصل المادي عن الروحي حيث استأثرت بالعقل وتخلت للدين عن الإيمان، وهما في نظرها نقيضان لا يجتمعان أبدا ،لأن الدولة بالنسبة إليها كيان متحول يحتاج دائما إلى تطوير وتحديث عكس الدين الثابت أو غير القابل للتطور، وبناء على هذا ليس من حق السلطة الدينية أن تتدخل في شؤون سلطة الدولة، لأن الدين لا يصلح مرجعا للحياة السياسية بل شغله هو الأمور الأخروية بينما العلمانية شغلها واختصاصها الأمور الدنيوية .
وباعتراف أهل العلمانية في الغرب أيضا أن تطبيقها يختلف من بلد غربي إلى آخر حسب ظروفه ، فمن البلاد الغربية من تصرح بها علانية ، ومنها من لا ترعاها حق رعايتها ، فتستعمل عبارة الدولة المدنية عوض الدولة العلمانية للتمويه على طابعها الإلحادي ، ومنها من يقاطع كل ما له صلة بالدين ، ومنها من يدعي احترام ممارسته على المستوى الفردي أوالطقوسي لا على المستوى الجماعي مع الإقرار بما يسمى بحرية الاعتقاد وحرية الفكر وحرية التعبير، الشيء الذي يجعل المتدين والملحد سيّان عندها كل منهما يمارس حريته.
ولازال النقاش محتدما بين أهلها بخصوص قضايا ذات علاقة بالدين من قبيل ارتياد أماكن العبادة ، وإحياء المناسبات الدينية مع التضييق على حرية ممارسة المسلمين لدينهم من قبيل منع نسائهم من حقهن في الزي الديني ومنعهم من حقهم في طريقة اخيار ما يطعمون حيث يمنعون من ذبح أضاحيهم ذات الدلالة الدينية... إلى غير ذلك من المضايقات .
وخلاصة القول بالنسبة لتعريف العلمانية التعريف الغربي هو رفض سلطة الدين على الدنيا ،الشيء الذي فسح المجال للسلوكات المنافية له من إلحاد وكفر ، وعلاقات إباحية من قبيل الرضائية والمثلية... وغيرهما بذريعة صيانة الحريات الفردية التي تصان بالنسبة للإباحيين ، ويضيق فيها على المسلمين .
وعندما تحاول الطوابير الخامسة العلمانية إسقاط الوضع الغربي على الوضع في البلاد الإسلامية، يكون ذلك تهافتا مكشوفا ومثيرا للسخرية ، وبيان ذلك أن الإسلام يختلف تماما عن المسيحية الصليبية المثلثة بالرغم من اعتبارها دينا سماويا مثله ، فهي دين لابست الوضعية البشرية فيه سماويته ، وهو ما يعتبر بالتعبير القرآني تحريف الكلم عن مواضعه أي استبدال ما هو إلهي بما هو بشري أو وضعي ، وهو ما ترتب عنه استبداد الأحبار والرهبان، ذلك الاستبداد الذي كان وراء ظهور العلمانية الرافضة له .
وخلاف ذلك لم يعرف الإسلام تحريف الكلم عن مواضع أو استبدال الإلهي بالبشري أو الوضعي ، وهو ما لم يفرز رجال دين يرتزقون به كما ارتزق الأحبار والرهبان بالمسيحية الصليبية ، وبناء على هذا فمن العبث إسقاط وضعها على وضع الإسلام ، وشأن من يفعل ذلك كشأن من يعتمد مقاس غيره الذي لا يناسبه ليخيط لباسه ، فيبدو منظره مثيرا للسخرية .
ولا يمكن للطوابير العلمانية الخامسة في البلاد الإسلامية أن تقنعنا بأطروحة فصل الإسلام عن الدولة كما فصلت المسيحية الصليبية لتستأثر علمانيتهم بالحياة الدنيا دون الإسلام الذي هو دين الدارين ختم به الله عز وجل مشوار الرسالات الداعية إليه منذ بدء الخليقة لإسعاد البشرية في أولاها وفي أخراها ، وهو دين يغطي كل جوانب الحياة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ، وهو ما تعكسه عبارة الدين المعاملة .
ومن جبن الطوابير الخامسة العلمانية في البلاد الإسلامية أنها لا تستطيع التصريح مباشرة بمجتمع علماني في هذه البلاد ، وتستعمل مكان ذلك ما تسميه المجتمع المدني في إشارة ماكرة وخبيثة لإقصاء الإسلام من الساحة كي يخلو الجو للادين أو لللائكية أو للإلحاد ، وبالتعبير الإسلامي للكفر البواح .
وذرا للرماد في العيون كما يقال ،ترفض تلك الطوابير الخامسة أن تنعت بالكفر والإلحاد والتنكر للإسلام مع أن ما تتبناه من أفكار تعني في نهاية المطاف المروق من الإسلام إذ كيف يمكن أن يعتبر مسلما من ينادي بحرية الإفطار العلني في رمضان داخل مجتمع مسلم ؟ أو يدعو إلى فاحشة الزنى الممقوت تحت مسميات الرضائية والمثلية ؟أو يدعو إلى إجهاض الحمل الناتج عن سفاح ؟ أو يدعو إلى تعطيل نصوص التشريع في القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة في قضايا اقتصادية كالإرث أو قضايا اجتماعية تتعلق بالأحوال الشخصية مقابل الترويج لتشريعات وضعية علمانية بديلة عنها بإلحاح وإصرار .
ولهذا يستنكف عقلاء المسلمين من علماء ومفكرين ودعاة عن الخوض مع تلك الطوابير الخامسة المستأجرة المارقة من الدين مروق السهم من الرمية لتنوب عن العلمانية الغربية في محاربة الإسلام في جدلها البيزنطي العقيم ، أو الالتفات إلى أساليب استفزازها من خلال التجاسر على المقدس كتابا وسنة ، والنيل من الرموز الإسلامية عن طريق الاستخفاف بها والحط من شأنها والاستعداء عليها ، والتشكيك في مصداقيتها ، وإغراء السفهاء بها .
ولقد تحولت تلك الطوابير المرتزقة بالنيل من الإسلام إعلاميا إلى كلاب عاوية همها الشهرة الرخيصة والمخزية ،وقد وضعت رهن إشارتها مواقع إعلامية مشبوهة قد افتضح أمر من يقف وراءها من الذين يريدون تيئيس الشعوب المسلمة من دينها ، ومن نهضة يكون هو الوسيلة الوحيدة إلى تحقيقها بعد عقود عجاف ساد فيها الفساد السياسي المنبطح أمام الغرب العلماني والمستسلم أمام المحتل الصهيوني الذي يريد تمرير مؤامرة ما يسمى بصفقة القرن المشئومة في ظرف إجهاز الأنظمة العربية الفاسدة على ثورات وحراكات الربيع العربي لمنع التفكير في الرهان على عودة الإسلام من جديد لقيادة العالم القيادة الراشدة والعادلة التي تملأ الأرض عدلا بعد طغيان العلمانية المتغولة ، والتي لا يعدو ما تنادي به شعارات فارغة وأطروحات متهافة .
فمتى ستفيق الأمة الإسلامية من غفلتها وسباتها وتحزم أمرها مع الطوابير الخامسة أولا ، و ثانيا ممن يقف وراءها من أنظمة فاسدة تخدم الأجندات الغربية العلمانية والصهيونية؟
وسوم: العدد 829