اختيار اللغة التي يدرس بها المتعلمون المواد العلمية شأن لا يعني سوى أولياء أمورهم
من المعلوم أنه لا يمكن عزل موضوع لغة تدريس المواد العلمية في بلادنا باللغة الفرنسية عن الجو العام الذي يسود فترة ما بعد الإجهاز على ثورات وحراكات الربيع العربي ، وهو إجهاز تقف وراءه دول غربية ، وتنفذه وتموله أنظمة عربية لحاجة في نفسها . ولقد صاحب هذا الإجهاز النهج الإقصائي الممنهج للغة العربية لغة القرآن الكريم من طرف المستلبين بالغرب ودعاة العرقية مع التعصب لغيرها من لغات لا يمكن أن تتعلق بغبارها وقد شرفها الله عز وجل بنقل كلامه إلى البشرية قاطبة .
ومن أساليب محاولة إقصاء اللغة العربية التي لا تخلو من مكر صريح أو مبطن الدعوة إلى استبدالها باللهجة العربية العامية في تعليم الناشئة . وبعدما انطفأت فقاقيع الدعوة إلى التدريس بالعامية ، انطلق ما يسمى بترسيم الأمازيغية ومحاولة فرض تعلمها على الناشئة المتعلمة للتضييق على العربية الفصحى، وبعد ذلك انطلقت حملة الدعاية لتدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية بعد خلق ما يسمى بأقسام الباكلوريا الدولية ، ومن العجب أن تصير الباكلوريا دولية باعتماد اللغة الفرنسية وكأنها اللغة الوحيدة التي تدرس بها العلوم في العالم .
ويصر الذين يرفعون شعار تدريس العلوم بالفرنسية على ضرورة تعميمها في جميع أسلاك التعليم لتقع الردة من تدريس العلوم بالعربية إلى تدريسها بالفرنسية كما كان الحال بعد رحيل المحتل الفرنسي الذي رحلت جيوشه الغازية ، وبقيت أفكاره ولغته تغزونا . ولقد وجد أصحاب النزعة العرقية الأمازيغية عندنا ضالتهم في الدعوة إلى تدريس العلوم بلغة محتل الأمس نكاية في لغة القرآن الكريم ، ونكاية فيه تحديدا ، كما وجد فيها دعاة التدريس باللهجة العربية العامية ضالتهم أيضا بعدما فشلت دعوتهم ، ووجدوا في الدعوة إلى اعتماد الفرنسية في تدريس العلوم بديلا عنها .
إن هذا المسكوت عنه أو المتعمد السكوت عنه بخصوص ظروف وملابسات الإقبال على اعتماد اللغة الفرنسية في التدريس في هذا الظرف بالذات عندنا لم يعد بإمكانه تضليل الرأي العام أو خداعه لأن الغاية المبيتة من وراء هذا القرار قد سقطت أقنعة من يروجون لها ، ولا يمكن أبدا تغييب تلك الظروف والملابسات المتعلقة بالإجهاز على ثورات الربيع العربي التي أبانت عن رهان الشعوب العربية على الإسلام وعلى لغة وحيه .
ومعلوم أن اختيار لغة الناشئة المتعلمة هي حق أولياء أمورهم ، فكما يختارون لهم أسماءهم و ألبستهم ...ومستقبلهم ، فإنهم يختارون لهم هويتهم الدينية واللغوية . واختيار لغة تلقيهم العلوم هو قرار هؤلاء الأولياء إذا ما كنا تعيش في دولة الحق والقانون و شفافية الصناديق الزجاجية والديمقراطية ...، ولم تكن هذه الأمور مجرد شعارات لا وجود لها على أرض الواقع .
و لقد كان لا بد من استشارة أولياء الأمور عبر طرق الاستشارة المعتمدة في كثير من دول العالم التي تحترم إرادة شعوبها ،وتنأى بنفسها عن النزول عليهم بقرارات استعلائية فوقية تعسفية ومستخفة بهم .
وبناء على ما تقدم يتعين على الوزارة الوصية على تعليم الناشئة عندنا أن تضع رهن إشارة أولياء أمور هذه الناشئة كل الخيارات المتاحة بخصوص لغات تدريس العلوم ، وذلك بخلق نفس الشعب كل واحدة منها يختار أولياء الأمور اللغة التي يريدون تلقي أبنائهم وبناتهم العلوم بها . وسنصفق تشجيعا لمن حالفه النجاح في اختيار اللغة الأنسب والأقصر طريقا إلى تحصيل العلوم .
وإذا كانت لغات كثير من شعوب العالم قد أثبت أهلها قدرتها على تلقي العلوم بها بفضل جهودهم ،بينما لم يستطع أهل اللغة العربية ذلك إلى يومنا هذا ،فاللوم يقع عليهم وليس عليها ،لأننا بعد مرور ما يزيد عن ستة عقود على نيلنا بلادنا استقلالها ما زال أساتذتنا الجامعيون مع شديد الأسف لا يستطيعون نقل الحمولة العلمية إلى لغتهم الأم لأن الكسل ضرب أطنابه بينهم ، ولم يفكروا أبدا في أن يشمروا على سواعد الجد كما فعل غيرهم في دول أخرى فنقلوا علوم غيرهم إلى لغاتهم نقلا عن كل لغة سبقت لغاتهم في مضمار العلم .
ومن سخيف القول أن يزعم البعض أن اللغة العربية لا تستطيع نقل العلوم كغيرها مع أنها نقلت كلام رب العزة جل جلاله بدقة متناهية لا يمكن أن تتاح لغيرها من اللغات .
وفي الأخير نقول للذين يراهنون على تدريس العلوم باللغة العربية عن حسن نية وطوية دون أن توجد لديهم خلفية إقصاء اللغة العربية لصلتها بالوحي، إننا تقدر حسن نيتكم ،ولكننا لا نوافقكم على رهانكم، بينما نقول لأصحاب النوايا والطوايا المبيتة إن أمركم قد افتضح ، وإنكم مجرد أقزام أمام شموخ لغة الوحي .
وسوم: العدد 829