لا تنقضي عجائبه
عندما بعث الله سبحانه وتعالى أنبياءه ورُّسله للنّاس، أيّد كلاً منهم بمعجزة مادية محسوسة ومشاهدة، ليقيم الحجة على الناس بصدق الرسالة والرسول .
فكانت معجزات الرسالات السماوية السابقة منفصلة عن الرسالة نفسها، أما الرسالة الخاتمة التي أنزلت على خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم فقد كانت رسالة ومعجزة في آنٍ معاً، وتلك هي "القرآن الكريم" الذي حوى – في وقت واحد - رسالة التوحيد وأوجهاً للإعجاز لا تنقضي إلى يوم القيامة، ذكر منها العلماء أوجه الإعجاز : البلاغيّ، والعلميّ، والرَّقميّ، والتّشريعيّ، والاجتماعيّ .. وغيره ...
وقد أسهب العلماء بصورة خاصة في أوجه الإعجاز البياني في القرآن الكريم، إسهاباً ضافياً لا نجده في غيره من أوجه الإعجاز؛ ومع هذا ظل جانب بياني في القرآن لم يسبق أن توقف عنده أحد ممن اشتغلوا على هذا الجانب المعجز في القرآن الكريم، فمما يلاحظ أن ألفاظ القرآن الكريم وأساليب تعبيره ما زالت إلى اليوم نابضة حية عند أهل العربية على الرغم من اختلاف لهجاتهم وتغيرها على مر الأيام والعصور !
بينما نجد في المقابل أن "الشعر الجاهلي" الذي عاصر زمن الوحي، أو سبقه قليلاً قد ماتت ألفاظه وأساليب تعبيره؛ وبات غريباً عند الناطقين بالعربية؛ فلم يعودوا قادرين اليوم على فهم قصيدة من ذلك الشعر دون أن يعودوا إلى قواميس العربية ومعاجمها، بينما نجد اليوم العربي – حتى الأمي – يسمع آيات القرآن الكريم فيدرك معانيها ومراميها، ولا يغيب عن فهمه منها إلا ما ندر .. وهذا بلا ريب وجه مهم من وجوه الإعجاز يحتاج وقفة تأمل طويلة، لاسيما وأنه وجه يبين عنصراً جديداً من عناصر حفظ الله عز وجل لكتابه الكريم؛ بأن حفظ قاموسه اللغوي متداولاً بين الناس على الرغم من بعدهم عن زمن الوحي قروناً طويلة !
وسوم: العدد 831