بقلم الرئيس الروسي بوتين، جردة المكاسب الروسية في سورية

على هامش قمة العشرين المنعقدة في أوساكا في اليابان ، أجرى الرئيس الروسي بوتين العديد من اللقاءات السياسية ، كان أكثرَها مباشرة وحميمية لقاؤه مع الحاضرين من قادة قمة البريكس . والبريكس هي مجموعة خماسية دولية تضم في عضويتها : الصين والهند وروسية والبرازيل وجنوب أفريقية . تشكل هذا التجمع الاقتصادي منذ 2006 . ويلحظ في تشكيله كثير من المعاني السياسية والاقتصادية ..

كما أدلى الرئيس بوتين قبلها بتصريحات لصحيفة الفاينشال تايمز تطرق فيها لنفس الموضوعات التي سنركز عليها في هذا المقال والمتعلقة بالشأن السوري من وجهة نظر بوتينية بحتة . سنقتصر في هذا المقال على عرض وجهة نظر بوتين بوضع كلماته بين قوسين ، بحيث يمكن أن يعتبر هذا المقال مكتوبا بقلم بوتين نفسه . ولكن لن ندخر وسعا في التعليق على كلماته خارج الأقواس ، أو إجراء ما يحتاج إليه المقام من فصل ووصل ..

وكمقدمة للمقام لا بد أن ننوه أن الدور البوتيني القذر في سورية أصبح يشكل لصاحبه  نوعا من " الوسواس القهري " بحيث يضطر في كل مجالسه أن يبدئ ويعيد في شرح وجهة نظره ، وإعلان براءته من القاتل بشار الأسد ، وتقديم المعاذير التي يشربها المستمعون إليه ، كما يشرب المضطر شربة زيت الخروع .

في حديث بوتين عن قراره الخطير في التدخل ضد إرادة الشعب السوري ، يوضح أن قراره في التدخل لم يكن ابن ساعته ، ولا كان مرتجلا ، وأنه استشار فيه كما يقول:

 " قمتُ بتقويم الوضع ، وتقدير الموقف ، وتشاورت مع المساعدين والوزراء ، وليس فقط مع الأجهزة الأمنية والعسكرية .." ينسى بوتين أن يذكر أنه تشاور أيضا مع البطرك الروسي الأكبر ، وأنه استمد البركة منه في إعلان الحرب على المسلمين في سورية . ربما هذا الجزء من الاستشارة يحتاجه بوتين لسردية بطولته في غير هذا السياق . سياق ، أنه كما بوش الابن يوم أعلن حربه على العراق ، كان يتلقى اتصالا كل ليلة مع الله.

ويخلص بوتين من مشاوراته وتقويمه للموقف إلى ما يلي :

 " واعتبرت في نهاية المطاف أن النتيجة الإيجابية من مشاركتنا النشطة في الشؤون السورية - يقصد احتلال سورية - ستكون بالنسبة إلى روسية ومصالحها أو مكاسبها أكبر بكثير من عدم التدخل والتفرج السلبي على المشهد "

عنوان التفرج السلبي على المشهد والذي مارسه الكثيرون عنوان مهم في فهم مجريات الحرب على الواقع السوري . رغم إدراكنا أن الكثير من متابعي التراجيديا المسرحية يذرفون أحيانا الكثير والكثير من الدموع .

ويبقى من حق أن نذكر الرئيس بوتين بمثلنا الشعبي : لا تقل فول حتى يصير في المكيول . وأن المعركة لم تحسم بعد ، وأن وقت كتابة مذكرات البطولة أو الجريمة ، وفي كثير من الأحيان يُقدم المجرمون كأبطال ، لم يحن بعد ..

وللحق أن نسجل في هذا السياق للرئيس بوتين هذا الاعتراف المهم والخطير . فالرئيس بوتين الذي كما قال : استشار وكما وضحنا واستخار ، قدر في بداية الأمر أي يوم 30/ 9/ 2015 أن معركته في سورية ستدوم ثلاثة أشهر، ثم مددها لسنة ثم ها نحن على عتبة أن يتم الاحتلال  بعد ثلاثة أشهر عامه  الخامس ..

يقول بوتين " إن الخطر من التدخل في سورية كان كبيرا مع تأمل جميع السيناريوهات." ومع أن شركاء بوتين أو انداده من أصحاب الفرجة السلبية قد ساعدوه بالسيناريو الأسهل عليه .

- فقابلوا تدخله باللامبالاة وهي حالة غير مسبوقة على صعيد العلاقات الدولية ..

- فرضوا على أتباعهم في المنطقة أن يسكتوا على هذا الاحتلال . فلم تستنكر دولة عربية واحدة الاحتلال الروسي لسورية ، ولا المؤتمر القومي العربي ، ولا العربي الإسلامي ، ولا الأحزاب العربية ..

- وثالثا وهذا الأهم لم يمكنوا الشعب السوري المقاوم للروس من أي سلاح مجدٍ ومفيد في معركة كان الطيران الروسي هو سلاحها الأول ..فحرموا الثوار السوريين من كل أسلحة الدفاع الجوي في أبسط صيغها وصورها !!

أقول ورغم كل ذلك يعترف مجرم الحرب بوتين بقوله

 " أن الجهود التي بذلتها روسية في سورية كانت أكبر من المتوقع "

نعم هي حرب دولة عظمى على شعب أعزل مستضعف مخذول ، حرب استمرت خمس سنوات وما زالت ، وليس خمسة أيام كما هي حرب وزير الدفاع الصهيوني دايان مع وزير الدفاع حافظ الأسد في سنة 1967 ..!!

حرب بوتين في سورية مع شعب مغلول اليد ، محاصر ومضيق عليه لم تكن نزهة ولن تنتهي كنزهة بأي حال من الأحوال .

وبعد كل هذا يصير مجرم الحرب ليضع جردة المكاسب الروسية أمام أصدقائه الأقربين فيعدد خمسة مكاسب رئيسية يعتبرها مقنعة في مسعاه :

أولا - كما يقول بوتين " القضاء على عدد كبير من المسلحين " أنا ألتزم بأمانة النقل وأنت من حقك لكي تفهم المقصود أن تبدل حرف الحاء في كلمة المسلحين بحرف الميم لتدرك المقصود من غير غبش ولا تعليل  ...

ثانيا - " إرساء الاستقرار في المنطقة القريبة منا جغرافيا "

ولن نناقش بوتين بمفهوم الاستقرار ، ولكن ربما من حق كل العقلاء أن يتساءلوا عن سر القرب الجغرافي بين روسية وسورية في عالم الجغرافيا والديموغرافيا ؟! غير ما حفظ الكهنة الأولون من حقد وكراهية يرويها وما يزال سكان تركستان عن يمين وشمال . أنصح بقراءة رواية " ليالي تركستان " لنجيب الكيلاني  ـ وأن نصغي لإخواننا الشركس والشيشان عن ليالي شتائهم الحزين الطويل ..!!

ثالثا - يجرد بوتين في مكاسبه " أثّرنا على ضمان أمن روسية في داخل بلادنا نفسها ".

وهنا لا بد أن نذكر بأن قصد بوتين من قوله " بلادنا نفسها " هو الجمهوريات المسلمة المستعمرة من قبل الاتحاد الروسي وهي أكثر من عشر جمهوريات ، وأنه بقتل المسلمين في سورية كأنه يقتلهم في قرغيزيا والشيشان ...

رابعا - وهذه مهمة لبوتين وللمتواطئين معه والساكتين عليه اقرأها بانتباه

" أقمنا علاقات جيدة وعملية مع كل دول المنطقة . ومواقعنا في الشرق الأوسط أصبحت أكثر استقرارا "

قلت لا أحد من دول المنطقة استنكر ، والمقصلة الروسية أصبحت قريبة من كل الرؤوس ، والقاعدة الصهيونية أصبحت تتناوب على الطحن مع القاعدة الصفوية بين الرحيين الأمريكي - الروسي معا .

الروس والأمريكيون مختلفون في كثير من بقاع الأرض إلا في عالمنا المنكوب بالصهاينة والصفويين فهم في هذا العالم إخوة أعداء ..

وخامسا - في جردة مصالح بوتين التي يتحدث عنها أمام بعض من يلبس الثياب بلا خجل ولا حياء يقول بوتين " طورنا قواتنا المسلحة بشكل كبير ، بعدما تلقت خبرة لا يمكن تصورها من أي تدريبات في الأجواء السلمية "

هل أحتاج إلى تعليق ..؟!

إقرار صريح بل اعتراف خطير ، سورية وشعبها أهداف حية في ساحة تدريب ، يكمل التصرريح سيرغي شويغو وزير دفاع بوتين بالاعتراف " جربنا في سورية 200 سلاح استراتيجي . "

وتتحول سورية بإنسانها وعمرانها ساحة " تدريب وتجريب "

شكرا بوتين .. شكرا إيفان الرهيب ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 831