( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ) هويتنا

وما سأحكيه هنا في صميم المشهد السياسي السوري . ليتأمله متأمل ، ويتدبره عاقل . ومساهمة متواضعة في الرد على محاولة البعض الاستقواء بمحتل جاثم على الأرض ، وآخر يلوح بعصاه عن بعد ، يستعينون بهم في خلط الأوراق ، وترديد ألفاظ بغير علم كما تقول الببغا ..

وتقول : هذا عقد لؤلؤ أو عقد زمرد ، أو عقد مرجان ؛ ولا يضره أن يكون خيط نظمه مفتولا من ليف أو منسوجا من قطن أو كتان . كما لا يضره أن يكون " قفله " مصنوعا من فضة أو كروم أو من صفر .

وتقول : هذا ثوب صوف ، أو ثوب حرير ، ولا يصادر قولك أنه خِيط بخيط غير.. ، أو سُجف بسجف... ، أو شيب بقليل شوب ..

طلب النقاء المطلق فيما هو مقدر ومصنوع أمر صعب وعسير . ومسرح الحياة العامة بأبعادها ليس مختبرا كيمائيا تجري فيه التفاعلات بقدر مقدور ..كما يقدرها أصحاب القير القطمير؛ فكيف بنهر الحضارة والحياة البشرية تمخر العباب في أرض كانت مسرح الحياة .

حتى الطهاة في مطابخهم يسمون أطعمتهم بأسمائها ..

فيقولون : رز بلحم . وقد علمنا أن معهما ماء وملح وسمن أو زبد أو بهارات بأرواحها السبعة . وإن من السماجة إلى حد كبير أن تشترط علينا حبة الفلفل أن نقول : رز ولحم وزبد و ثلاث حبات بهار ، وعود قرفة ، وحبة فلفل، وكبش قرنفل ، وكسرة من جوزة الطيب ، وورقة غار ..وهكذا أسمعهم في كل محفل يرطنون.

لا يا أيها السادة ..

هذا استنزاف للعقل ، واغتصاب لعلوم اللغة والاجتماع والسياسة والجغرافيا والديموغرافيا . ولكل ما تعارف عليه المؤرخون والمفكرون والعلماء والعقلاء .

واو العطف التي وضعها العقلاء لتعبر عن مقاصدهم في مطلق الجمع ، وليس لتكون تحلة يمين بجمع الناقة إلى القطة في معادلة مختلة لعلمي الدلالة والحساب . حيث قالت العقلاء ما أرخص الناقة لولا القط

أيها السادة كفى استخفافا بالعقول . وكفى نكأ للجراح ..

عقدنا : لؤلؤ . وثوبنا صوف أو قطن . وعيشنا : برغل .

 ولم يبق لدينا في هذا الفضاء غير " هوية" لن نساوم عليها .. وإن تكاثر حولنا المساومون:

هوية انتماء هي قنطرة وجودنا المضروبة بين ضفتي الأزل والأبد ..

وهوية اختيار هي كنه وعينا ، وسر اختيارنا ، ورافعة خلاصنا وتفوقنا بين العالمين

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 840