لماذا نستقبل السوريين ؟

الرفيع بشير الشفيع

مهاجرون ... وأنصار....

عندما نستقبل السوريين في السودان ، فإنما نستقبل حضارة تزيد عن العشرة آلاف عام ، مملكة ماري وراميتا وسرجيلا وعين دارة وسرمدا وإيمار وأرماد والرصافة وتدمر وعمريت وبصرى.

وعندما نستقبل السوريين ، فإنما نستقبل أحفادا تشكلوا من حفدة وعصارة ثقافة السومريين والآكاديين والكلدانيين والرومان والكنعانيون والفينيقيون وآرام ونستقبل حضارة السومريين والآشوريين والعصر الهلنسي والسلوكي ، والنبطيين وبيزنطا وعصارة إيمان الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والأيوبيين والعثمانيين ، مجتمعة في الجينات والوجوه والفكر والثقافة والسمات المتعمقة في الإنسانية.

وعندما نستقبل السوريين ، إنما نستقبل عمرو بن العاص ويزيد بن سفيان وشرحبيل بن حسنة وخالد بن الوليد وعبيده بن الجراح ونحتشد جنودا خلفهم في اليرموك على بيزنطة ، وإنما نستقبل عبدالملك بن مروان جنودا في إمارته الزاهرة بالعلم والوقار والتقى وإنما نستقبل هارون الرشيد في الرقة والرصافة ، رقة في التاريخ وحضارة ورقي وخوفا من الله وتقى وإنما نستقبل كل حِراك العهد الأموي والعباسي والسلجوقي ، والأيوبي، عمادالدين ونور الدين زنكي وصلاح الدين ، والظاهر بيبرس ونكون جنودا خلفهم نستعيد القدس ، ونحمي أسوارعكا من جور نابليون ، ونوقع على العصر الصليبي ، نصرا وإقتدارا، وفي عين جَالُوت خلف قطز نذل التتر والمغول، ونزحف معهم خلف سليمان القانوني إلى أسوار فِيّنا.

وعندما نستقبل السوريين ، فإنما نستقبل أحفاد أبي تمام وجرير والفرزدق والأخطل والمتنبي ، والبحتري وديك الجن وربيعة الرقي وأبي العلاء المعري وأبي فرأس الحمداني والصنوبري والوأواء الدمشقي وبن الأثير والساعاتي والشاب الظريف وبن حجة الأموي وبن النقيب وفخري البارودي وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة ونزار وغادة السمان والماغوط وحنا ميتا وشارل خوري ، شعرا وأدبا وتألقا فنيا رفيعاً .

وعندما نستقبل السوريين فإنما نستقبل طلاب بن تيمية وبن القيم وبن كثير والذهبي ومحب الدين الخطيب والصابوني والطنطاوي والألباني ، علما وفقها وُتقى .

وعندما نستقبل السوريين ، فإنما نستقبل مسرحا متكاملا من الجمال والرقي والرقة ونستقبل شاشة عريضة من سينما الإنسانية معمورة بفن أشجانا وأفرحنا وأبكانا وثقفنا وعلمنا معنى الحب والإنسانية ورقي الإنسان وقمة البيان.

وعندما نستقبل السوريين ، فإنما نستقبل أسر لنا شقيقة في الرسالة وفي التوجه وفي الوجع العربي ، نخفف عنهم وطإة التاريخ وخوارج التاريخ ومغول التاريخ وبعث التاريخ منذ فجر الاسلام إلى تيمور لنك وهولاكو الجديد الذي يجثم على صدورهم الآن ذلا وتقتيلا وتهديما في حُمُّص وحماة وحلب والرقة وداريِّا ، وتهجيرا أوصلهم لنا شعب كريم الأصول وجميل المعنى يستجير بأهله ويأمن في داره ، نربت على كتفوهم ونمسح من عيونهم دموع الأسى، إنهم ميراث عز تليد وبناء مشيد وعيش رغيد خلّدوا إسم الأمة على مر التأريخ .

وعندما نستقبل السوريين ، فإنما نستقبل غصون الزيتون التي تنتشر في العالم رموزا للسلام والبراءة ونشرا لكلمة الله ، وتلقينا للبشرية معنى الإسلام والرسالة ، هجرّهم الظلم والبطش ، وبعثرهم في العالم يخوضون البحار ويتنكبون طريقهم في الأدغال والجبال ، أُسر كانت بالإمس القريب عزيزة في أنفسها ، آمنة في ديارها مترفهة في عيشها ومترفعة وعزيزة ، ولكنهم اليوم بيننا أعز من نزل ، وأحب من وصل ، وآمن من لجأ ، نحميهم كما نحمي خاصتنا ونتقاسم معه الأوجاع ، نتضور معا ونشبع معا ونعز معا ونذل معا ، وسنعيد عين جالوت معا واليرموك معا ، وتلك الأيام نداولها بين الناس .

وعندما نستقبل السوريين فإننا ، إنما نزداد شرفا على شرف ونزداد رقيا على رقي وثقافة على ثقافة ورقة وجمالا وألق وفخر وفرح بوجودهم بيننا وليهنأ السودان بهم .

وسوم: العدد 844