بين التنافس في التسامي ، والتنافس في الهبوط .. بون شاسع !
التنافس بين الناس ، نزعة فطرية ؛ فهم يتنافسون ، في أمور كثيرة :
الأنداد يتنافسون فيما بينهم .. والأضداد يتنافسون فيما بينهم ، وحتى الأقارب ، يمن فيهم الإخوة ، يتنافسون فيما بينهم ، في أمور، قد تكون جليلة ، وقد تكون بسيطة ، أو تافهة !
واللهُ ، الذي خلق العباد، يعلم مافطرهم عليه ! لكن الناس ، باختلاف طباعهم وأخلاقهم ومداركهم .. يختلفون في مجالات التنافس ، وأنواعها ، ودرجاتها ؛ فمنهم من ينافس في الخير، ومنهم من ينافس في الشرّ، ومنهم من بنافس في معالى الأمور، ومنهم من ينافس في السفاسف!
وبعض الناس يعرفون الفروق ، بين المعالي والسفاسف ، فينافسون في المعالي .. وبعضهم لايدرك هذه الفروق ؛ فينافس ، لمجرّد الغلبة ، والإحساس بالتفوّق !
ومن أهمّ ماينافس فيه العقلاء : الجود والشجاعة ، وطلب العلم ، والعفة ، ونجدة المظلوم..!
نماذج :
عنترة بن شدّاد:
هلاّ سألتِ الخيلَ ، ياابنة مالكٍ إن كنتِ جاهلةً ، بما لمْ تَعلمي
يُخبركِ مَن شَهدَ الوقيعةَ ، أنّني أغشى الوغى ، وأعفّ ، عندَ المَغنم!
الصحابة :
كانوا يتنافسون في الخير، وفي طلب الآخرة ، وما يُدخل المرء الجنة !
وقد أخبر رسول الله أصحابه ، بـأنه لايخشى عليهم الفقر، بل يخشى أن تُبسط عليهم الدنيا ، كما بُسطت على من كان قبلهم ، فيتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلكهم كما أهلكت الذين قبلهم !
التنافس المشوّه :
ثمّة قول يتردّد ، على ألسنة الكثيرين :
إذا كان فلان طيّباً ، فسأكون أطيب منه .. وإذا كان سيّئاً ، فسأكون أسوأ منه .. وإذا كان عاقلاً، فسأكون أعقل منه .. وذا كان سفيهاً ، فسأكون أسفه منه ..!
هذا النمط من الناس ، جعل من نفسه ، مجرّد ظلّ لغيره ، وجعل فعله مجرّد ردّ فعل، على فعل غيره ، وجعل من كلامه مجرّد ردّ فعل ، على كلام غيره ! فقد أعدَم شخصيته ، وجعلها تبعاً لشخصية غيره! فهو ينافس غيره ، في الشرّ، إذا كان الغير شرّيراً، وينافسه في الخير، إذا كان خيّراً ، دون أن تكون له مبادرة شخصية ، أو أخلاق شخصية !
كان المسيح يسير في شارع ، وسفهاء يهود يسمعونه كلاماً سيّئاً ، وهو يردّ عليهم بكلام حسن! فقال له أحد الناس : عجبنا لك ، يانبيّ الله : يُسمعونك شرّاً ، وتُسمعهم خيراً! فقال المسيح : كلٌّ يُنفق ممّا عنده !
قال ربّنا ، عزّ وجلّ :
(إنّ الأبرارَ لفي نعيم * على الأرائك يَنظرون * تَعرفُ في وجوههم نَضرة النعيم * يُسقَون من رحيق مختوم * ختامُه مسكٌ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).
وسوم: العدد 856