الموت : بين حيرة الفلاسفة ، وعجز الأطبّاء ، وأخيلة الأدباء ، وفزَع المتجبّرين !
الموت: ليس فلسفة، لكنه أثار تأمّلات الفلاسفة والمفكّرين، من أقدم العصور، وما زال يثيرها حتى اليوم!
والموت: ليس حالة مرضية ، أو معضلة طبّية، وقد أعجز الأطبّاء ، الذين لم يجدوا له علاجاً، من أقدم العصور، وحتى اليوم !
والموت : ليس عنصراً أدبياً ، لكنه هاج قرائح الأدباء والشعراء ، منذ القدم ! وكتبوا فيه ، وحوله ، وفي حالاته الكثيرة المتنوّعة ، الكثيرمن القصائد والمقالات ، وما زال مادّة للإثارة الأدبية ، حتى اليوم !
والموت : ليس قوّة ذاتية غاشمة ، تتسلّط على المتجبّرين ، فتقهرهم ! لكنه قدَر ربّاني ، يحلّ على كلّ فرد ، حين يأتيه أجله .. ومع ذلك ، يرتجف ، رعباً منه ، جبابرة الأرض ، جميعاً !
الموت ، لدى الناس ، جميعاً :
حالة من حالات الوفاة، التي تصيب البشر، جميعاً، إلاّ أنه وفاة طويلة الأجل ؛ فهو فراق أبَدي، في الدنيا ، وهو ، بذلك ، يختلف عن النوم ، الذي سمّاه ربّ العالمين ، وفاة ، حين قال: )وهو الذي يتوفّاكم بالليل ويعلم ماجرحتم بالنهار) ، فالمتوفّى النائم يستيقظ ؛ فنومه جزء من حياته الطبيعية .. أمّا المَيت فلا يعود إلى الحياة ، إلاّ يوم القيامة !
كلّ عاقل في الدنيا ؛ سواء أكان مؤمناً أم ملحداً ، أم كتابياً ، أم مشركاً.. يعلم أنه سيموت ، ويؤكّد علمَه ، باستمرار، مايراه من مصائر الآخرين ، ممّن حوله ، وممن سبقه ، من أهل وأقارب ، وأصدقاء ومعارف .. دون أن يعلم أحد : متى سيموت ، وكيف سيموت ، وفي أيّ أرض سيموت ! فهو معرّض للموت ، في كلّ لحظة ، بسبب واضح معلوم لديه ، او بسبب لا يعلمه !
فكيف يتعامل غير المؤمنين ، مع الموت ؟
أكثر الناس ، من غيرالمؤمنين ، يتعاملون مع الموت ، بجزع شديد ، وكأن الموت غريب عنهم، وكأنهم لم يسمعوا به ! وبعض الناس ، الذين يموت لهم قريب حميم ، يذهلون عن أنفسهم ، وبعضهم تصيبه هزّة نفسية ، أو بدنية ، قد تفقده حياته !
الموت في نظر المسلمين المؤمنين :
قال تعالى : (خلق الموتَ والحياة ليبلوَكم أيّكم أحسنُ عملاً..).
وقال ، جلّ شأنه ، يخاطب نبيّه محمّداً : (إنّك ميّتٌ وإنّهم ميّتون)
وقال ، سبحانه : (كلّ مَن عليها فان * ويبقى وجهُ ربّكَ ذو الجلال والإكرام).
كيف يتعامل المؤمنون ، مع الموت ؟
لقد سمّى خالق الموت والحياة ، الموتّ ، مصيبةً ، فكيف يتعامل المؤمنون ، مع هذه المصيبة؟
يتعامل المؤمنون مع الموت ، كلٌّ بقدر إيمانه ، وسعة مداركه ! فبعضهم يصيبه جزع شديد ، كما يصيب غير المؤمنين.. وبعضهم يتلقّى الموت ، على أنه قدَر محتوم، واقع بالبشر، جميعاً، فيلجأ إلى الصبر والاحتساب ، ويذكر الآيات القرآنية :
يقول الله تعالى، في سورة البقرة : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ).
وبين الجزع الشديد ، والصبر والاحتساب .. درجات ، يتفاوت فيها الناس ، بقدرإيمان كلّ منهم، وبقدر سعة مداركه !
وفي الختام ، لابدّ من التذكير ببعض الأمور:
الحزن فطرة بشرية، حتى لوكان المرء صابراً محتسباً، وهو غير الجزع – الغفلة عن الموت، تغري المرء ، باقتراف الجرائم – سيطرةُ هاجس الموت على الإنسان ، تشلّ قدرته ، عن ممارسة وظائف الأحياء ، والحازم مَن لم يخضع لهذا الهاجس ، ويستحضر مابَعده ، ويعمل له.. قال رسول الله : الكيّس مَن دانَ نفسَه ، وعملَ لِما بعد الموت ، والعاجزُ مَن أتبَع نفسَه هواها ، وتمنّى على الله الأماني – حبّ الحياة فطرة بشرية ، لكن الموت قد يصبح أمنية ، لبعض الناس ، الذين يعانون من آلام شديدة ، لا أمل في الخلاص منها ، إلاّ بالموت ، فيطلبون ممّن حولهم ، قتلهم ! وقد عالج بعض القوانين هذه الحالة ، تحت مسمّى : القتل إشفاقاً – موتُ الظالمين ، قد يكون فيه رحمة ، أو فرَج ، للمظلومين !
وسوم: العدد 856