أوهام نظام الأسد حول الصين
في مقابلة له مؤخراً مع صحيفة صينية، أبدى بشّار الأسد، رأس النظام السوري اهتماماً ملحوظاً في استقطاب الصين للمشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا إثر الدمار الذي خلّفه نظامه خلال السنوات التسع الماضية. وربط الأسد في المقابلة المشار إليها بين مشروع إعادة إعمار البلاد وبين مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي تقوم على فكرة إحياء طريق الحرير القديم من الصين مروراً بمنطقة الشرق الأوسط وصولاً الى أوروبا.
وفي هذا السياق، قال الأسد إنّ سوريا ليست على المسار المعني حالياً، لكن "الحوار مع بكّين بدأ مؤخراً حول موضوع البنية التحتية، وهي أحد أهم العناصر التي يمكن أن تجعل سوريا جزءا من طريق الحرير في المستقبل"، لافتاً الى أنّ "هناك مصالح مشتركة.. وفائدة للصين ولسوريا ولكل الدول التي توجد على هذا الطريق..."، ومؤكّداً أن نظامه تقدّم بستة مشاريع مقترحة للحكومة الصينية لتكون بمثابة عنصر جاذب لبكّين، ولإدخال سوريا كذلك بشكل عملي في مبادرة طريق الحرير الصينية في المستقبل.
من الملاحظ أنّ الصين أضحت مؤخراً محلّ استحضار دائم من قبل إيران والدول التي تدور في فلكها في المنطقة كنظام الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان على سبيل المثال، أمين عام حزب الله حسن نصرالله كان قد اقترح الشهر الماضي أن يتم إدخال الصين في المعادلة اللبنانية لإيجاد حل للوضع الاقتصادي مُشيراً الى أنّ "الشركات الصينية جاهزة لتأتي إلى لبنان وتستثمر بمليارات الدولارات". وفي ردّ سريع على دعوة نصرالله، بادر المدير العام لإدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا في دائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي تشينغ جيان وي إلى القول "ليست لدينا النية أن نكون بديلاً من أميركا في لبنان، وليست لدينا القدرة على ذلك، لأن الصين ما زالت دولة نامية".
وكما حزب الله، كان الجانب الإيراني قد روّج قبل عدّة أشهر عن نيّة بكّين الاستثمار في إيران بمئات المليارات من الدولارات. البعض ذكر الرقم ٤٠٠ مليار بشكل متكرر، لكن الحقيقة أنّه في الوقت الذي كانت فيه طهران تروّج لمثل هذه الأخبار، كانت الشركات الصينية تنسحب من السوق الإيرانية بشكل متسارع. ولعلّ أهمّ ما يمكن استحضاره في هذا المجال هو انسحاب شركة النفط الحكومية الصينية من صفقة تطوير المرحلة ١١ من حقل بارس الجنوبي العملاق، أحد أكبر وأهم حقول الغاز الإيرانية على الإطلاق.
سياسياً تدّعي الصين دوماً التزامها بمبادئها الخمسة للتعايش السلمي والتي تتضمن عدم التدخّل في الشؤون الداخلية
مراهنة نظام الأسد على الصين من الناحية الاقتصادية لن تفضي إلى شيء باعتقادي، والنماذج أعلاه ليست مجرّد استثناء. بخلاف مواقف الصين السياسية، هناك أسباب موضوعيّة يمكن الاستناد إليها في تفسير الموقف الصيني من الناحية الاقتصادية. سياسياً تدّعي الصين دوماً التزامها بمبادئها الخمسة للتعايش السلمي والتي تتضمن عدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول بما في ذلك عدم الانحياز إلى طرف من الأطراف خاصّة في الصراعات التي تجري داخلياً وإقليمياً.
لكن عملياً، الصين تحوّلت بشكل متزايد إلى جزء من الصراع لاسيما في المنطقة العربية. الثورة السورية تعتبر بمثابة حالة تستحق الدراسة، حيث قامت الصين بشكل متكرّر -لا يقل عن سبع مرات- باستخدام حق النقض الفيتو لتعطيل مشاريع قوانين أمميّة لمعاقبة و/أو إدانة نظام الأسد على إجرامه. مثل هذا الموقف لا يمكن الادعاء بأنّه موقف محايد على الإطلاق، بل فيه تبنٍّ وانحياز واضح لأجندة طرف على حساب طرف آخر.
من الناحية الاقتصادية، الأمور مختلفة تماماً. التقديرات تشير إلى أنّ كلفة إعادة إعمار سوريا ربما تتجاوز الـ ٤٠٠ مليار دولار. الصين لا يمكنها أن ترمي عشرات أو مئات المليارات من الدولارات على مشاريع في منطقة غير مستقرّة وغير آمنة ولا يوجد ضمانة بأنّها ستحصل على العائد المرجو أو المتوقّع منها. لكن حتى لو افترضا –نظرياً- أنّها تريد أن تشارك في الحد الأدنى من عملية إعادة الإعمار، فإنّ مثل هذا المقترح يكاد يكون غير ممكن عملياً مع افتقاد بكّين إلى المتطلبات اللوجستية لإنجازه.
قبل فترة وجيزة، كانت الصين تفكّر في الاستثمار بشكل أوسع في تطوير مرفأ طرابلس اللبناني الذي يبعد حوالي ٣٠ ميلاً عن سوريا، وذلك لاتّخاذه كمنصّة إقليمية في تجارتها مع المنطقة، وكنقطة انطلاق قريبة إلى سوريا للتموضع مع خيار إعادة الإعمار مستقبلاً لا سيما مع سيطرة روسيا وإيران على الموانئ السورية. المفارقة أنّ حزب الله هو الذي كان قد أعاق عملية تطوير الصين للمرفأ الذي يقع في المنطقة ذات الغالبية السنيّة في لبنان، كما أنّ وضع البلد حالياً لا يبشّر بإمكانية المراهنة على مشاريع ضخمة في ظل حالة شبه الانهيار التي يعيشها.
علاوةً على ما تمّ ذكره، فإنّ توقيع الرئيس الأمريكي ترامب على قانون قيصر مؤخراً من شأنه أن يضع حدًّ لأي إمكانية انخراط واسعة للصين أو لغيرها من الدول في موضوع إعادة إعمار سوريا أو توفير الموارد المالية لنظام الأسد. في نهاية المطاف، لدى الصين معادلة في غاية الوضوح. بكّين تحقق فائضاً تجارياً سنوياً مع الولايات المتّحدة فقط يزيد عن ٣٠٠ مليار دولار، وبالتأكيد هي ليست في موقع أن تضحّي أو تخاطر بخسارة مثل هذا الربح الصافي من أجل الاستثمار المالي في نظام الأسد أو حتى في سوريا ضمن وضعها الحالي. كل من يذهب بخلاف ذلك هو واهم بالتأكيد.
وسوم: العدد 857