قاعدة الأنساق ، تّحكم العالم ؛ إذا اختلّ عنصر، في نَسق منها ، اختلّ كلّ مايتّصل به !
قال ربّنا ، عزّ وجلّ ، في كتابه الكريم ، الذي أنزله على نبيّه ، قبل ألف وأربعمئة سنة :
(ظهَرَالفسادُ في البرّ والبحرِ بما كسبتْ أيدي الناس ..). ولم يكن العبثُ بالأنساق منتشراً ، كما هو عليه ، اليوم ! (بعضُهم يُسمّي القاعدة : نظرية ، وليست كذلك)!
فالأنساقُ تشكّل نُظماً ، أو مُنتظمات ، مُحكَمة ، تَشمل عناصرَ الكون ، كلّها!
على المستوى البشري :
الأسرة والقبيلة والمؤسّسة ، والحزب والمجتمع والدولة .. كلّها ، أنساقٌ ، كلّ منها نسق قائم ، بذاته ، متّصل بالأنساق المختلفة ، مِن حولِه ! وأيّ اختلال ، أواضطراب ، في عنصر من عناصر النسق ، يؤدّي إلى اختلال ، أو اضطراب ، في النسق ، كلّه !
والأنساق ، على مستوى التجمّعات الكبرى : سياسياً ، واجتماعياً ، واقتصادياً ، ثلاثة : مَحلّي ، وإقليمي ، ودَولي !
والأنساق ، على مستوى المخلوقات ، غير البشر :
المخلوقات الحيّة ، قال ، تعالى :
(وما مِن دابّة في الأرضِ ولا طائرٍ يَطيرُ بجَناحَيه إلاّ أمَمٌ أمثالُكم مافَرّطنا في الكتابِ مِن شيء ثمّ إلى ربّهم يُحشرون).
وعلى مستوى النبات : كلّ نبتة ، تنتمي إلى مجموعة من النباتات ، تشكّل فصيلة، تشترك عناصرها ، فيما بينها ، بصفات تَميزُها ، عن غيرها !
وبالعودة ، إلى الحالة البشرية ، نجد مايلي :
المجتمع الإسلامي المؤمن ، بعناصره المختلفة ، أشدّ الأنساق ، ترابطاً وإحكاماً !
يؤسّس لذلك، ويَدلّ عليه، حديثان، من أحاديث النبيّ،عليه الصلاة والسلام !
الأول : مثلُ المؤمنين ، في توادّهم وتراحُمهم وتعاطفهم ، مَثلُ الجسد ؛ إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائرُ الجسد ، بالسهَر والحمّى !
الثاني : مَثلُ القائم على حدود الله ، والواقع فيها ، كمثل قوم استهَمواعلى سفينة، فأصاب بعضُهم أعلاها ، وبعضُهم أسفلها .. فكان الذين في أسفلها ، إذا استقَوا من الماء ، مرّوا على مَن فوقَهم ! فقالوا : لو أنّا خرَقنا ، في نصيبنا ، خَرقاً ، ولمْ نؤذِ مَن فوقَنا ! فإن تركوهم وما أرادوا ، هَلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم ، نجَوا، ونجَوا ، جميعاً !
وحسبنا أن ننظر، اليوم ، إلى نسق الأسرة ، نواة المجتمع الأساسية .. في الغرب، لنرى : كيف تفكّكت هذه الأسرة ، فعاش كلّ فرد فيها ، مستقلاًّ ، بذاته ، غريباً ، حتّى عن ذاته .. ثمّ ننظر إلى الأسرة ، في الإسلام : كيف حافظ عليها ، وعلى كلّ فرد فيها ، بأحكامه وأخلاقه وآدابه .. فظلت ، برغم كلّ عبث العابثين ، وحدةً متماسكة ، تحافظ على كلّ فرد فيها ، وتعطي كلّ فرد فيها حقوقه ، وتتأثر سمعتُها، بفساد سمعة كلّ فرد فيها ، وتفخَر كلّها ، بكلّ فرد ، يستحقّ الفخر، فيها ، وكلُّ فرد فيها مأمور، شرعاً وخُلقاً ، بالمحافظة ، على كلّ مَن فيها ، من بَشر ، وكلّ مافيها، من حقوق وعلاقات إيجابية !
وسوم: العدد 862