وعيُ الجَبان قد يعود .. لكن ، كيف يُعتذر، عن غيابه ؟
عودةُ الوَعي .. لتوفيق الحكيم !
توفيق الحكيم : الكاتب المصري ، المعروف على مستوى العالم العربي ، والذي تُرجم بعض كتبه ، إلى بعض لغات العالم، والذي نشأت أجيال ، من الأمّة العربية ، وهي تقرأ كتاباته: الفكرية، والمسرحية ، والأدبية..عامّة.. توفيق الحكيم هذا ، كان عَلماً بارزاً ، حين قام الجيش المصري بانقلابه ، ضدّ الحكم الملكي في مصر، وأطاح عبد الناصر، بقائد الانقلاب ، محمد نجيب ، الذي كان هو قائد الجيش ، والذي سمّي رئيساً للجمهورية .. واستلم السلطة ، مكانه ، وانفرد بها ، واستبدّ ، وأطاح بكثير من زملائه ، في مجلس قيادة الثورة .. توفيق الحكيم ، الذي شهد هذا كله ، وشهد كلّ مافعلته أجهزة المخابرات المصرية ، من عنف وبطش ، وتعذيب وتنكيل وتشريد .. بالشعب المصري ، وبالمعارضين ، من شتى أطياف الشعب المصري : الفكرية والسياسية والاجتماعية.. توفيق الحكيم هذا ، صار بطلاً ، وصار يتحدّث عن : الحرية ، والديموقراطية ، وحقوق الإنسان .. بعد أن مات عبدالناصر!
وحين سئل توفيق الحكيم ،عن موقفه ، ممّا فعله عبدالناصر، بشعب مصر، وبسائر المعارضين فيه، من علماء ومفكّرين ومثقفين .. حين سئل الحكيم ، عن موقفه من هذا، كله ، حين كان عبد الناصر، على رأس السلطة .. اعتذر الحكيم ! ولكن ؛ بمَ اعتذر؟ اعتذر: بغياب الوعي ؛ اعتذر بأنّ وعيه - هو الحكيم - كان مغيّباً ؛ غيّبته الدعايات القويّة ، التي كانت تنشرها ، وسائل إعلام عبد الناصر، وكانت تُضلّله- وهو الحكيم - عمّا يجري ، من وقائع ،على الأرض ! ولكنّ وعيه ،عاد إليه ، الآن ، بعد موت عبد الناصر .. فكتب كتابه : عودة الوعي !
فما الذي دفع الحكيم ، إلى اللجوء ، إلى هذا الاعتذار، وهو يعلم ، جيّداً ، أنه اعتذار سخيف ، لايقبله طفل من طفل ، بله ؛ أن يقبله عاقل ، من رجل ، بقامة توفيق الحكيم ، وبوعيه ، وبنضج تفكيره !
ما الذي دفع الحكيم ، إلى تغطية موقفه ، من ممارسات عبد الناصر، وأجهزة أمنه.. بهذا العذر المُضحك ؟
إنه الجُبن ؛ الجبن القاتل ، الذي يدفع أناساً إلى الصمت .. ويدفع آخرين ، إلى النفاق ، بأشكاله .. حين يكون جزاءُ الموقف الجرّ الجريء ، هو : الموت ، أو الحبس ، أو التشريد ..!
نظرَ الحكيمُ ، إلى الاعذار الممكنة ، التي تغطّي تخاذله وجبنه ، عن مواجهة الظلم والاستبداد ، فوجد نفسه ، أمام واحد ، من أعذار ثلاثة !
الأول : إنكار ماكان يجري , من ظلم واستبداد ، بحقّ الشعب المصري ، ورموزه الواعية المثقّفة!
وهذا العذر صعبٌ تمريرُه ، على عقول الناس ؛ لأنه يكون ، كمن (يغطّي الشمسَ بالغربال)!
الثاني : هو الاعتذار بالجبن ؛ أي : بالطريقة ، التي اعتذر بها الثعلب ، حين سئل ، في قصّة( كليلة ودمنة) ، عمّن علّمه العذر، فصرّح بأنه ، تعلّمه من رأس الذئب المقطوع ؛ أيْ : الذي قطعه الأسد، حين لم تُعجبه قسمة الذئب ، للغنيمة ! وهي قصّة مشهورة طريفة !
وهذا الاعتذار بالجبن ، جارح للكرامة ؛ ولاسيّما ، لمَن كان ، في موقع الحكيم ، وشهرته !
فماذا بقي من أعذار، أمام الحكيم ؟ بقي عذر واحد ، يَلجأ إليه ، دون أن يغطّي الشمس بالغربال ، ودون أن يجرح كرامته ، أو يسقطها ؛ بالاعتراف بالجبن ، هذا العذر الثالث ، هو: غياب الوعي ، وهو- وإن كان غير مقبول ، لدى أكثر العقلاء - يُعَدّ أقلّ الأعذار سوءاً ، ويمكن تمريرُه ، على عقول كثير من البسطاء ، والسذّج ، والمغّفلين !
فكَم ، من مواقف المفكّرين والمثقّفين ، اليوم ، يشبه موقف توفيق الحكيم ؟ وكَم منهم ، مَن أعدّ ، لنفسه ، عذراً ، كعذر الحكيم !؟
وسوم: العدد 866