فاجعة كورونا... يقظة، بعد سبات عميق
في الأزمات تتجلى الحقائق ...
ربما لم تتوقع غالبية الناس إن بعض الدول الأكثر تطورًا وخاصة التي تعتبر ثرية جدًا من الناحية الصحية على أقل، والتي كانت الناس تتسابق للسفر إليها بهدف المعالجة هي أخرى أنظمة هشة في الكثير من جوانبها ولديها نقص حاد في أبسط المواد الطبية من المعقمات والأقنعة وأجهزة التنفس التي تحتاجها هذه الجائحة (كورونا) هذا ما عدا فيما تخص أمراض واختصاصات أخرى أيضًا، وعدم استيعاب مستشفياتها من بضع إلى عشرات آلاف من المصابين ناهيك عن نقص في الكوادر الطبية مما أدى بها إلى استعانة بأفراد من الجيش للقيام بأعمال اللوجستية لدعم الجهاز الطبي وليس بغرض فرض حظر التجول كما حصل في سويسرا (من أغنى النظم الصحية في العالم)،
وتخبطت دول أخرى وفقدت القدرة على تتبع الحالات المصابة كَإيطاليا التي دخلت مرحلة "طب الحُروب" مما أدت بها إلى التركيز على من هو في السن الشباب، وترك المسنين لأمرهم المحتوم قبل أن تأتيها المساعدات الخارجية، ألا يعد هذا انهيارًا في الجهاز الصحي لدولة تنتمي إلى مجموعة الدول الصناعية الثمانية الكبرى في العالم! وهناك أمثلة وتصريحات مشابهة من عواصم أخرى...
الإهمال سبب الانتشار ...
لم يجاهد العالم ويعمل كفريق واحد لمواجهة هذا الـ فيروس، لأن أزمة عدم الثقة كبيرة حتى في جسم سياسي واحد كالاتحاد الأوربي مثلًا، ناهيك عن دول أخرى فقيرة، التي لا حول ولا قوة لها... إضافة إلى أساليب البيروقراطية المتبعة، وتحكم بعض الشركات الخاصة بالاقتصاد والمال والأعمال في بعض الدول، وأنانية المركزية ومزاجية السلطة الحاكمة التي تفتقد إلى مؤسسات مدنية وبحثية مستقلة أصلًا، مما تدفعها بإصدار قرارات ومراسيم على هواها بدون دراسة وبحث غالبًا وذلك في بعض دول شرقية خاصة!
لذا، كان من الممكن لجم حماس وخفض انتشار جائحة كورونا لو اتخذت كل دولة على حداه أو مجتمعة (بتنسيق) بعض الإجراءات الوقائية السريعة كالاختبار والتعاون والتنسيق الطبي وغلق الحدود وعزل المدن والتباعد الاجتماعي بدلًا من الإهمال وعدم أخذ الأمر بجدية والتعامل مع انتشاره بتراخ!
لو .... التمني ...
لو صرفت الأموال على الأبحاث والصحة والتعليم بدلًا أو أكثر من هدرها في صنع نجوم/ نجوميات فارغة في بعض المجالات، ومعامل السلاح التي ألحقت الدمار بالإنسان والبيئة...!
لو لم تحتكر طبقة واحدة المال والإعلام وبعض جوانب السلطة ثم تسخير بقية الناس كَموظفين، كَعمال... كَعبيد بأجور زهيدة أو عاطلين عن العمل...
لو أن مع بداية كل مرض ومشكلة، استنفر العالم لأجلها وكافح بكل هذه الهمة والجدية كما حدث بعد إفلات كورونا من عِقاله لانتهينا من الكثير من الأمراض والأوبئة وبالتالي المزيد من الصحة وفرص العيش الكريم، ولحصل الآخرون على أبسط حقوقهم ورجحت كفة العدل والإنسانية بدلًا من التوحش والأنانية.
تغييرات ما بعد كورونا...
إذا استمر فيروس كورونا / كوفييد 19 لمدة عام وأكثر فإنه سيترك آثارًا جمة على النظام العالمي الحالي، ستظهر أزمات كبرى لا مثيل لها رويدا رويدا من اقتصادية إلى اجتماعية وسياسية وربما عسكرية أيضًا. إضافة إلى الأمنية/ الجرائم واللصوصية سواء على شكل الفردي أو العصابات ...
قد تتغير التحالفات القائمة وتنهض أسهم بعض الدول على حساب انحسار للآخرين، وتتجه دول أخرى نحو التقوقع والانغلاق والاعتماد على الذات بدلًا من سياسة العولمة التي جلبت لهم الخيبات وخاصة في هذه المحنة، بالتالي سيزداد الخطاب الشعبوي والدولتي على حساب الحدود واليد المفتوحة...
سواء انتهى هذا الرعب باكرًا أو متأخرًا، سواء أكان مفتعلًا أو وباءً، تبقى هناك بارقة أمل التي قد تنهض من بين الركام ومخلفات الخراب والهلع التي سببتها هذه الجائحة وما قبلها، وذلك من طرف الطبقات والمنظمات الخيرية المساعدة مع المتنورين وهم قلة! في محاولة إيجاد نظم اقتصادية، اجتماعية بعيدة عن الاستغلال والاحتكار حتى لو ضمن مدينة أو دولة واحدة في ظل سلطات منتخبة لغاية تحقيق نوع من العدالة...
وسوم: العدد 869