المصريون في قطر: من «أولادي في المربعة»… إلى مرحلة «إنهم اخوان»!
قل النظام المصري، ولا تقل الإعلام المصري. وقل عبد الفتاح السيسي ولا تقل أحمد موسى!
فالإعلام في مصر مسير لا مخير، وأحمد موسى لا يقدح من رأسه، لكنه يقول ما يملى عليه، وقد أملي عليه ذات مرة وكان على الهواء مباشرة أن يشتم شخصاً لا يعرفه، حيث وصلته التعليمات عبر “السماعة”، فظل يشتم فيه، ويصفه بالحقير، والخائن، والمجرم، والأوصاف السلبية كلها، وضيفاه في الأستوديو، الدكتور عبد الله النجار واللواء فاروق المقرحي يسألانه: من يكون الحقير؟ لكي يقوما معه بالواجب، وإن قاما بشتمه دون أن يعرفا من هو؟ وبعد الحاح في معرفة اسمه، أخذ موسى شهيقا وطرحه زفيراً قبل أن يقول إنه لا يدري من هو؟ فكم من الجرائم تُسأل عنها هذه “السماعة” التي لولاها لتعرى كثير من المذيعين الكبار، الذين تتم إدارتهم إدارة كاملة بواسطتها، لكنها في مصر وسيلة لنقل التعليمات الفورية!
ولأن أحمد موسى موظف لدى “نظام سريح” يعمل في “اليومية”، شأن العمالة غير المنتظمة، فإن خطابه يأتي متضارباً ويفتقد للمنهجية، فتارة يتعامل مع المصريين في قطر معاملة السادات مع “أولادي في المربعة”، وتارة أخرى يتعامل معهم على أنهم ليسوا أكثر من إخوان خططوا للعودة، وتساعدهم قطر في ذلك، في محاولة من النظام الحاكم للتغطية على فشله!
لم يكن السادات غبياً، لكنه كان إذا غضب صار كالأغبياء، وفي نوبة من نوبات غضبه، قام بالتعريض بالمصريين في العراق، عندما قال إن أولادي في المربعة يستطيعون اسقاط نظام صدام حسين!
“المربعة” منطقة كان فيها أكبر تجمع للمصريين الذين يعملون في بغداد، وكان من بينهم عدد كبير من الشبيحة، لذا فقد استغلوا حب صدام حسين للمصريين، وحمايته لهم، في فرض نفوذهم على المنطقة وعلى العراقيين أنفسهم، لكنهم في اللحظة التي كان فيها السادات يطلق تهديداته خرجوا لشوارع المربعة وهم يهتفون بالروح بالدم نفديك يا صدام، إذ وقفوا بفطرتهم وغالبيتهم من غير المتعلمين أو الذين لم يكملوا تعليمهم أن السادات يزج بهم في معركة لن يستطيعوا دفع كلفتها، ومع من؟ مع صدام حسين الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف!
وتجاوزت السلطة في مصر ما حدث، إذ اعتبرت خطاب السادات خطأ مطبعيا، ولم يوضع “أولاده في المربعة” على قوائم ترقب الوصول، ولم يحاسب أياً منهم لخروجه في مظاهرات مثلت رفضاً للسادات وانحيازا لخصمه، فالسياسة العامة في مصر لم تكن تجعل من المصريين في الخارج جزءاً من خصومات الحكم، حتى في أسوأ مراحلها.
وفي زمن الرئيس المخلوع حسني مبارك، وفي ذروة خصومته مع قطر، لم تكن سلطات الأمن في المطار توقف العاملين في قناة “الجزيرة”، أو تنظر إليهم بعين الاشتباه!
مرة وحيدة فقد وزير الإعلام صفوت الشريف صوابه، وعلى غير عادته، وقال إنه سيسحب الجنسية المصرية من صلاح نجم، مدير الأخبار في قناة “الجزيرة”، وكان هذا رداً على من يريدون اثبات فشله بأن “الجزيرة” بتفوقها تقوم على أكتاف الإعلاميين المصريين، وكتبت أندد بهذا التصريح غير المسبوق، والذي يحتقر الجنسية المصرية فيهبط بها إلى مستوى تذكرة الأتوبيس متعددة الاستخدام، الذي يجوز للمحصل أن يسحبها عند ارتكاب مخالفات بعينها، ولم يقدم النظام على هذه الخطوة، ولم يعيد وزير الاعلام تكرار هذا التهديد مرة أخرى!
مبكر الصوت
ووفق نظرية “أولادي في المربعة”، حاول النظام المصري الزج بالمصريين العاملين في قطر في الأزمة عبر أحمد موسى مكبر الصوت المستخدم ليعبر عن رسائله وما يدور في خلده، فدعا في برنامجه على قناة “صدى البلد” المصريين في قطر لحصار قناة “الجزيرة”، وفي مرة أخرى دعاهم إلى حصار الديوان الأميري، وكان هذا في بداية الحصار، ولم يتصرف المصريون، كما “أولادي في المربعة” فيهتفون بالروح والدم، أو حتى يطلبون من نظام بلادهم عدم الزج بهم في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولم يفعلوا حتى الحد الأدنى وهو ذكر مناقب البلد الذي يعيشون فيه، والذي لم يأخذهم بجريرة نظام منفلت، ربما يشغله أن يستخدم الوجود المصري في قطر ورقة للاسترزاق لدى محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، وتصويرهم كما لو كانوا في مهمة أمنية لساعة الجد!
فالمصريون في قطر يدركون أن هذا ليس هو نظام السادات، أو حتى نظام مبارك، الذي يضع الأمور في اطارها الصحيح عند التعامل مع العمالة المصرية في الخارج، وبما يتسق مع طبيعة المصريين الذين لا تشغلهم سياسة البلد، الذي يعملون فيه إلا في ما يختص بوضعهم فيه، ثم إن موقفا كهذا لم يكن مطلوبا منهم قطرياً، التي يجهر فيها المصريون بتأييدهم للسيسي دون أن يمسهم الضر!
والآن تغيرت الظروف فتغير الخطاب الإعلامي، الذي هو الخطاب السياسي وما الإعلام فيه إلا وسيلة، فالإعلاميون مسيرون لا مخيرون، كما قلنا، فلم يعد المصريون العاملون في قطر هم “أولادي في المربعة”، الذين تعامل مع وجودهم في الدوحة على أنه حق ومن ثم طالبهم بحصار قناة “الجزيرة” والديوان الأميري، لكنهم صاروا من الإخوان الذين تريد أن تدفع بهم تركيا وقطر إلى مصر، وكان صاحب هذا الخطاب “المستجد”، هو ذاته أحمد موسى في القناة نفسها والبرنامج نفسه “على مسؤوليتي”، وهو اسم لبرنامج كانت تقدمه “الجزيرة مباشر مصر”، رد الله غيبتها!
ولا بد أن يجمع القوم بين قطر وتركيا، فلا يوجد لهم خصوم يتربصون بهم الدوائر إلا “أردوغان” و”تميم”؛ تفشل مفاوضات سد النهضة، فيهاجمون تركيا وقطر، ويتحرك الجيش الأثيوبي فيهاجمون تركيا وقطر، وترسم جريدة “كابيتال” الأثيوبية عبد الفتاح السيسي في وضع مهين، فلا يرد الإعلام المصري التحية بالتي هي أسوأ، ولكن يهاجم تركيا وقطر!
إنهاء عمل المصريين
لم أسمع عن عالقين مصريين في تركيا، لكن ذُكرت تركيا وأردوغان في أزمة العالقين المصريين في قطر، وكانت بعض الشركات القطرية قامت بإنهاء عمل الكثير من العمالة، بعد أن فرضت تداعيات هذا الفيروس عليها. يقول البعض إن المستهدف بهذه القرارات هم المصريون فقط، وليست عندي معلومات تؤكد هذا القول، وفي حال صحته فإن ما ينبغي أن يشغلنا هو عودتهم لمصر حتى لا تستنزف مدخراتهم في البقاء بدون عمل، ولأن قطر لا تزال محاصرة من الرباعي المرح، فقد استأجرت طائرة إسبانية لحمل المصريين إلى القاهرة على نفقة الدولة القطرية، لكن كان الرد عبر الإعلام: لا نريدهم إنهم اخوان!
هكذا من “أولادي في المربعة”، إلى إخوان، فهل يعقل أن الإخوان يمكن أن ينزلوا مصر من الدار إلى النار؟ وماذا لو كانوا من الإخوان، ألم تطلب السلطات في مصر من قطر تسليمها الإخوان، وطلبت من الانتربول الدولي ذلك؟
لا بأس ها هي قطر ترسل المطلوبين، فما الذي يزعج القوم ليدفعوا بأحمد موسى ليقول إن قطر وتركيا تريدان أن تتخلصان من الإخوان!
نأخذ على قرارات إنهاء العمل في قطر، إنها لا تميز بين الذين يسافرون إلى مصر بشكل طبيعي، ومن لا يستطيعون ذلك، فتضيق عليهم الأرض، بما رحبت، بمثل هذه القرارات، لكن النظام العسكري في مصر لن يعود إليه إلا من يقضون إجازاتهم في مصر، ويوم المنى عند أيام نظام مستبد أن يعود إليه معارضوه لينكل بهم أو يكونوا تحت رقابته، ألم يعلنوا في فخر في السابق أنهم سيحضرون المعارضين من الخارج في صناديق؟ ها هم يأتون لهم في طائرة إسبانية مدفوعة الأجرة!
وعلى ذكر السادات، فقد ضاق بمعارضة الخارج، وأدرك هذا نائبه وعندما صار مبارك رئيساً، تواصل مع نقيب الصحافيين صلاح جلال، وكلفهم بإحضارهم من الخارج وبالضمانات التي يريدون، فأفقد اذاعتي “مصر العربية” و”مصر العروبة” مبرر وجودهما وواحدة كانت تبث من بغداد والثانية من سوريا.
القصة ليست إخوان تريد تركيا وقطر الدفع بهم إلى مصر، لكنه القرار بعدم تحمل الدولة المصرية لأجرة وضع من يعودون من الخارج في الحجر في أحد الفنادق لمدة أربعة عشر يوما والمحدد قيمة ليلة الإقامة بألفي جنيه على الرأس، ولا يريد النظام أن يكرر تجربة العالقين في الكويت، الذين وقعوا على شرط تحمل النفقات وعندما هبطت بهم الطائرة في مطار القاهرة تمردوا، والنظام العسكري ليس مستعداً أن يغطي هذه النفقات وفي الوقت ذاته يخشى من اتساع دائرة التمرد في هذه الأيام!
ولو كان هذا النظام يتمتع بالكبرياء اللازم، لرفض العطية القطرية، ولتواصل مع الكويت لنقل المصريين العالقين في قطر إلى هناك لتقوم شركة مصر للطيران بنقلهم للقاهرة، لكنه عندما يتعلق الأمر بالأموال فإنه مستعد لإهدار الكرامة، وتحريض أحد أذرعه الإعلامية ليقول إننا لا نريد المصريين العالقين فلتشبع بهم قطر.
أحمد موسى هو عبد المأمور!
أرض جو
• لن تشغلنا كورونا وتداعياتها عن السؤال الاستراتيجي: أين منتهى الرميحي؟ مذيعة قناة العربية كوميدي. أرجو ألا يكون سؤالاً بلا إجابة مثل سؤال: أين الجثة؟!
وسوم: العدد 872