لا يجب أن يحول ظرف الجائحة دون إكرام الأئمة والمؤذنين ومنظفي بيوت الله
لا يجب أن يحول ظرف الجائحة دون إكرام الأئمة والمؤذنين ومنظفي بيوت الله عز وجل كما جرى العمل بذلك خلال شهر الصيام وهي سنة حميدة دأب على فعلها المغاربة
من فرط حب المغاربة لكتاب الله عز وجل، جرت لديهم عادة إكرام الأئمة والمؤذنين ومنظفي بيوت الله عز وجل في منتصف شهر الصيام ، وفي ليلة القدر منه ،الشيء الذي يدخل الفرح على هؤلاء وعلى أسرهم خصوصا وأن رواتب هؤلاء إذا صح أن تسمى كذلك توجد ضمن لائحة باقي الأجور الدنيا في البلاد ، وكان الأجدر أن تكون أجورهم محترمة تليق بما يقومون به من عمل لا يرقى إلى أهميته وشرفه عمل آخر ألا وهو الاشتغال بإمامة الناس في عبادة هي عمود الدين ،وهي التي بها تصلح الأعمال بصلاحها ، وتفسد بفسادها يوم العرض على الله عز وجل .
وإذا كان المصلي في بيوت الله عز وجل خلف هؤلاء تفوق صلاته سبعا وعشرين درجة صلاته فذا ، وأن الحرف الواحد الذي يصل سمعه منهم يحصل به عشر حسنات ، فيجدر به أن يكون في مستوى قول الله عز وجل : ((ولا تنسوا الفضل بينكم )) ،وفي مستوى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : " من أتى إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه " . وأي معروف يرقى إلى المعروف الذي يقدمه لنا أهل الله عز وجل وخاصته من حملة كتابه ؟ أليسوا يزودوننا بما نحن أحوج إليه يوم لقاء الله عز وجل ؟ إنهم يزودوننا بعملة الآخرة الصعبة ، فماذا تساوي مكافأتنا لهم حين نكرمه في شهر الصيام بعملة الدنيا الفانية أمام عملة الآخرة الباقية ؟ أليس يوم القيامة يود المرء لو يفتدي بملء الأرض ذهبا ، وبأعز الأقارب والأحباب كما جاء في قول الله تعالى : (( لو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به )) ، وقوله : (( يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه )) ومن ذا الذي لا يظلم ولا يجرم في حياته إلا أن يكون ممن عصم الله عز وجل من صفوة رسله وأنبيائه صلواته وسلامه عليه أجمعين أو ممن تكرم عليهم بعفوه ومغفرته من بقية خلقه ؟
وإن من الناس ما قد يبالغ في إكرام من يساعدونه على المعاصي ويجود عليهم بما عز من ماله ، ولكنه يبخل بخلا شديدا على الذين يساعدونه على طاعة الله عز وجل من مؤذنين يدعونه إلى بيوت الله عز وجل إلى طاعة الصلاة خمس مرات في اليوم ، ومن أئمة يؤمونه ، ومن منظفي المساجد يقدمون له خدمة ويساعدونه على الطهارة والوضوء ، فكيف يتردد في إكرام هؤلاء خلال شهر الصيام الذي تعبدنا فيه الله عز وجل بالإنفاق ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا وإسوتنا أجود الناس في رمضان كما روى عبد الله بن عباس رضي الله عنه حيث قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، كان أجود ما يكون في رمضان حين بلقاه جبريل ، وكان جبريل يلقاه كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة " فليس من قبيل الصدفة أن يقترن جوده صلى الله عليه وسلم وهو أجود الناس بشهر الصيام ، وبمدارسة القرآن ، وكأنه يعبر بجوده العظيم عن حفاوته وفرحته بهذا الشهر العظيم وبالقرآن الكريم وما فيهما من أجر عظيم ، أفلا نقتدي به في ذلك وقد منّ علينا الله عز وجل ببلوغ شهر الصيام وقد كنا ندعوه أن يبلغنا إياه ؟
أوليس أهل الله عز وجل من حفظة كتابه الكريم وأغلبهم من المحاويج أولى بجودنا في هذا الشهر الفضيل ، وإن كانوا في الحقيقة أغنانا عند الله عز وجل بما في صدورهم من كلامه الكريم ؟
وإن بعض الناس ـ غفر الله لهم ـ يبخلون ويأمرون الناس بالبخل حين يدعون إلى إكرام أهل الله عز وجل وخاصته في شهر الصيام ، وتسمع لبعضهم همهمات في المساجد والناس يجمعون ما تفضل به أهل الجود عليهم ، وتراهم يستعجلون إقامة الصلاة لمنع ذلك مع أنه لا يستغرق من الوقت إلا دقائق معدودات . وقد ينكرون على من يدعو إلى ذلك من الوعاظ ، وإذا خرجوا من بيوت الله عز وجل خاضوا في اغتيابه واغتياب أهل القرآن، ولم يمنعهم من ذلك قول الله عز وجل : (( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم )).
وفي المقابل نجد من أهل الجود من يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في جوده خلال شهر الصيام ، فيخفي إكرامه لأهل القرآن ولا يبديه وهو أشد إقبالا على ذلك ، وأشد وفرحا به ، وقد أحيى سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم مستحضرا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أحيى سنة من سنتي قد أميتت بعدي ، فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئا " . ومن سننه صلى الله عليه وسلم كثرة جوده في رمضان فرحا وابتهاجا به و بالقرآن الكريم . ومن عمل بها ودعا إليها كان له أجر كل من عمل بذلك دون نقصان في الأجور ، أما من بخل أو دعا إلى بخل في رمضان ،فإنه يتعمد إماتة هذه السنة النبوية الحميدة ، وإحلال بدعة البخل التي لا يرضاها الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، وبذلك يبوء بوزره وبأوزار من أطاعوه فيها دون نقصانها.
اللهم إنا نعوذ به من شح النفوس ، ونسألك العافية منه . ونختم بقول سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم : " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم اعط منفقا خلفا، ويقول الآخر : اللهم اعط ممسكا تلفا " . وأي خلف أفضل من خلف يناله منفق شهر الصيام ، وأي تلف أقبح من تلف يصيب ممسك رمضان ؟
وفي الأخير نهيب بكافة المؤمنين في هذا الشهر الفضيل أن يكونوا في الموعد كما كان دأبهم دائما في رمضان فيقرعوا أبواب أهل القرآن أو يعترضوا سبيلهم وقد أغلقت بيوت الله عز وجل بسبب الجائحة ،فيكرمونهم كما كانوا يفعلون من قبل، فعسى أن يكون ذلك مما يرفع به الله عز وجل عنا بلاءها بإكرامنا لأهله وخاصته .
وسوم: العدد 877