قصصُ العُروج(١٣٨)
قناديلُ السُّمُوّ
قناديل الوحي
بالعنصر الترابي كان الأنبياء يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويتزوجون النساء، وببشريتهم الطينية كانوا يسيرون فيتعبون، ويجتهدون فيصيبون ويخطؤون مثل سائر البشر.
لكنهم بالعنصر الروحي قد ارتقوا نحو الكمالات، ونفظوا بالوحي السماوي عن أنفسهم تراب الأخطاء، ومسحوا رمال الضعف والنسيان!
لم يكونوا ملائكة نورانية لا تشتهي الرغائب ولا تعرف الأخطاء، لكنهم قد اعتصموا بحبال الوحي فلم ينزلقوا في مهابط الغيّ أو يقعوا في خنادق الغواية!
لقد تنورت دواخلهم بقناديل الوحي، فاستحالت النفوس الترابية الأمّارة بالسوء إلى نفوس تبرية شديدة النفاسة، تَعضّ على الحق بالنواجذ، وتطمئن بالإيمان، وتطير في سماء الرفعة بمعارج الإحسان!
*خُدَّام الدعوة*:
في القصص القرآني الكثير من نماذج الصراع بين الخير والشرّ، حيث ظل أهل الباطل يقاومون الدعوات بتكذيب الدعاة أو بقتلهم إن سنحت لهم الفرصة، حتى قال الله عن بني إسرائيل وهم النموذج الذي عرضه القرآن باستفاضه: *{أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسُكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون؟!}*، ولنتأمل كلمة (أفكلما) التي تفيد الديمومة والاستمرار، لكن القرآن يخبرنا بأن الأنبياء والدعاة قد ضحوا بأنفسهم من أجل دعوتهم، حيث يموت الغلام وتحيا الدعوة، وحيث تضيق على عيسى السبل وتضيق عليه الأرض بما رحبت فتنفتح له قلوب ثلة من الرجال، وعندما ظن أعداؤه أنهم قد تخلصوا من دعوته بصلبه، انتشرت دعوته نحو الآفاق حتى اكتسحت قارة أوروبا، رغم التحريف الذي طرأ على بعض تعاليمه.
*التفضيل الكسبي*:
إن الله هو صاحب العدل المطلق، فلا يحابي أحداً لأي سبب، ومن ثم فإن تفضيله لبعض خلقه يقوم على معطيات موضوعية محايدة، وينطبق ذلك حتى على الرسل، فقد قال تعالى: *{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض، منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات}*.
ومن يقرأ قصص الأنبياء يدرك أن هذا التفضيل كسبي لا وهبي، بمعنى أنه يتكئ على ما قدّم البعض من أعمال قدمتهم على غيرهم ورفعتهم درجات.
وعلى سبيل المثال فإن أفضل الرسل هم أولوا العزم الخمسة، وقد فضلهم الله لأنهم كانوا الأكثر صبراً والأقوى شكيمة في مواجهة الأذى والعداوات، ولذلك قال الله لحبيبه محمد: *{فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل..}*، وقال له في مقام آخر: *{ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم..}*.
بُورِك المُتدبِّرون
منتدى الفكر الإسلامي
وسوم: العدد 877