قصصُ العُروج(١٤٩)
أسقامُ اليهود
الانحياز إلى الأهواء:
من الثوابت البارزة في طبائع بني إسرائيل وتدينهم السقيم، استكبارهم على الحقيقة وتمردهم على الحق، ولهذا فقد قال لهم الله: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسُكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون}، ولاحظ قارئي العزيز الاستفهام الاستنكاري البادئ بكلمة "أفكلما" والذي يؤكد الاستمرار في هذا السلوك والمداومة عليه مع تعاقب الأجيال؛ وذلك نتيجة تشابه الطبائع، حيث يتمحورون دوماً حول الرغائب ولا يزالون يدورون في فلك الأهواء!
الإيمان بأثر رجعي:
من خصال بني إسرائيل الغريبة أنهم لا يؤمنون برسلهم في الغالب إلا بعد موتهم، حيث يواجهونهم في حياتهم بالصد والتكذيب والتآمر، وبعد موتهم يُظهرون الإيمان بهم كآلية من آليات تكذيب من يعاصرونهم.
وفي هذا الشأن خاطبهم الله بقوله تعالى: {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً كذلك يُضل الله من هو مسرف مرتاب}، ولا يزال بنو إسرائيل يتيهون في أودية الضلال ويتصفون بالإسراف في الارتياب، ويؤكد الواقع بأن هذا الإيمان بالقدماء إنما هو آلية من آليات التكذيب والمحاربة لمعاصريهم من المنذرين والمصلحين!
هداية الملّة لا الطائفة:
يُعلمنا القرآن الكريم أن الهداية هي ثمرة اتباع الملة لا تقليد الطائفة، قال تعالى: {وقالوا كونوا هُوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}[البقرة: ١٣٥]، فإن طائفتين من اليهود والنصارى قد جعلوا الهداية حكراً على طائفتهم، بل وسفّهوا بعضهم كما ورد في آيات أخرى، لكن الوحي جعل الهداية ثمرة اتباع الملة السماوية والحنيفية الإبراهيمية، وهذا ما يمتلكه الإسلام وحده؛ نتيجة اهتدائه بالقرآن الذي يهدي للتي هي أقوم، ولا يمكن أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولأن أمة القرآن لا تجتمع على ضلالة بتاتاً، ومهما انحرفت جموع من أبنائها عن جادة الحق، فإنها تحتوي في وسطها على طائفة لا تزال على الحق قائمة مهما اسودَّت الأحوال وساءت الظروف.
إسمنت العقلانية:
كلما انخفض منسوب العقلانية في أي مجتمع أو أمة؛ ارتفعت إمكانات التفرق والاختلاف بينهم، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى عن اليهود: {تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون}، كأن العقلانية إسمنت يَرتِق الفُتوق ويسد الثغرات، وكلما ارتفع منسوب العقلانية بين اليهود وانخفض هذا المنسوب عند المسلمين؛ فإن تبادلاً للمقاعد سيحدث فيما يخص قيمة التوحد، كما نرى في عصرنا!
بُورِك المُتدبِّرون
منتدى الفكر الإسلامي
وسوم: العدد 880