(وَلَنْ يَجعلَ اللهُ للكافرينَ على المُؤمنينَ سبيلاً)
المتأمل في هذه الآية الكريمة.. والمتدبر لمعانيها ودلالاتها.. والمراقب لحال المسلمين مع غيرهم.. يُصابُ بِالحَيّرَةِ والذهول ..! لِمَ ..؟ لأن الواقع يؤكد: أنَّ الأمم اليوم تتداعى على بلدان المسلمين كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها.. وها هي السبلُ مُشرَّعةٌ أمام الآخر للنيل من حرمات المسلمين , وانتهاك سيادة أوطانهم ووأد إيراداتهم .. والآية تؤكد وعد الله تعالى القاطع الحاسم (وَلَنْ)..وحيث أنَّ لله لا يخلف وعده لقوله تعالى: "وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ" فأين الخلل..؟ هذا السؤال هو مصدر الحيّرَةِ التي سرعان ما تتلاشى وتزول مع تأمل أقوال المفسرين.. يقول الطاهر بن عاشور- رحمه الله تعالى - في تفسير هذه الآية: "نحن نرى الكافرين ينتصرون على المؤمنين انتصارًا بيّنًا! وربما تملكوا بلادهم وطال ذلك! فكيف تأويل هذا الوعد..؟ ويجيب فيقول: " إنْ أريد بالكافرين والمؤمنين: الطائفتان المعهودتان بقرينة القصة (أسباب النزول) فالإشكال زائل ..لأنَّ الله جعل عاقبة النصر أيامئذٍ للمؤمنين.. وقطع دابر القوم الذين ظلموا.. وإنْ أريد العموم فالمقصود من المؤمنين: المؤمنون الخلّص الذين تلبسوا بالإيمان بسائر أحواله وأصوله وفروعه.. ولو استقام المؤمنون على ذلك لما نال الكافرون منهم منالاً ". والسؤال الذي يطرح نفسه هنا, ما المقصود بالذين تلبسوا بالإيمان بسائر أحواله وأصوله وفروعه..؟ ويأتي الجواب من صاحب تفسير المنار فيقول:" ما غلب الكافرون المسلمين في الحروب والسياسة وأسبابها العلمية والعملية من حيث هم كافرون ..بل من حيث إنَّهم صاروا أعلم بسنن الله في خلقه وأحكم عملاً بها.. والمسلمون تركوا ذلك " فليعتبر بذلك المعتبرون. أجل المشي في الأرض وتفعيل مكنوناتها.. والأخذ بأسباب القوة والمنعة والتقدم والازدهار.. هي مادة التنافس والتَغَالُبِ في ميادين الحياة .. فيوم يتفوق المسلمون على غيرهم في عمارة الكون وتفعيل سننه واستثمار خزائنه ومصادر بأسه.. يَومئذٍ سيمنعهم الله من ظلم الظالمين وعدوان المعتدين ..انتصاراً لإيمانهم وعدلهم وتفوقهم ومهاراتهم وابتكاراتهم في ميادين الحياة.. أجل إذاك يتحقق وعد الله تعالى ويتجل معنى قوله تعالى :" وَلَنْ يَجعلَ اللهُ للكافرينَ على المُؤمنينَ سبيلاً".
وسوم: العدد 883