هل تكفي المشروعيّة لنجاح الثورة؟
المشروعيّة وحدها لا تجعل من الثورات حصانًا فائزًا، إذ لا بدّ من تضافر أمور أخرى حولها. هذا ما يراه علماء الاجتماع والتاريخ، الذين درسوا الثورات، ونظروا في أسباب نجاحها وفشلها: قديمًا وحديثًا.
والأمر في ذلك ليس في أمّة دون غيرها، أو ثورة دون غيرها، فلقد وقف هؤلاء العلماء ( قديمًا، وحديثًا ) على عدد من تلك الثورات، سواءٌ أكان منطلقُها عرقيًّا أو ثقافيًّا أو دينيًّا أو مذهبيًّا، فضلًا على كونه سياسيًّا.
وممّا كان له منها نصيبٌ من الدراسة، ثوراتُ الطالبيين، من شيعة الإمام عليّ، رضي الله عنه، نظرًا لكثرتها على مدى الأيام الغابرة، ولاسيّما في العهدين: الأمويّ، والعباسيّ.
فقد وقفوا عليها، ودرسوها بشكل عميق وجادّ، وخلصوا إلى جملة من الأسباب كانت سببًا رئيسًا في فشلها، وجعلوا منها أسبابًا يمكن تعميمها على غيرها من الثورات في تاريخ البشرية، وكان منها ثورة الإمام محمد الديباج بن جعفر الصادق، رضي الله عنهما.
ففي سنة 200ه، أيام الخليفة العباسي المأمون، قام محمد الديباج بن جعفر الصادق بثورة تنادي بإمامة الطالبين وأحقيتهم في الخلافة، غير أنّها فشلتْ فشلًا ذريعًا، وكان من أسباب فشلها:
1ـ افتقارها إلى دقة التنظيم، وإلى قاعدة شعبية تستند عليها، وعدم انتشارها في الأمصار، وتقصير أتباعها في مواجهة أتباع العباسيين.
2ـ تردّد محمد بن جعفر في الدعوة إلى نفسه، وعدم حماسه للأمر، وأنّه قبل الأمر ابتداءً تحت الضغوط، ولاسيّما من ابنه عليّ.
3ـ اعتماده على الأنصار من ذوي السيرة السيئة، من غوغاء أهل مكة، وبعض السودان، وابنه عليّ سيّء الصيت؛ ممَّا جعل الناس تنفر من الإقبال على دعوته.
4ـ تردّد قسم كبير من أهل مكة في تأييده، خوفًا من أعمال الانتقام التي تطالهم في كلّ مرة يخرج فيها من ينادي بالخلافة لنفسه، أو دعوته، أو عائلته.
5ـ عدم تمسُّك من بايعه بالوفاء له، نظرًا لتردّدهم، وجعلهم ذلك وسيلة للتكسّب والمنفعة، وليس للتضحية، والدفاع عنها ساعة المواجهة مع خصومها.
6ـ امتطاء الآخرين لها ولغيرها من ثورات آل البيت، ولاسيّما من أصحاب العقائد والملل والنحل الفاسدة، الذين جعلوا من تلك الثورات دثارًا لهم لإحياء موروثاتهم التي قوّضها الإسلام.
وسوم: العدد 883